للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[جراحة تحويل الرجل إلى امرأة وبالعكس جائزة للضرورة]

المفتي

جاد الحق على جاد الحق.

شعبان ١٤٠١ هجرية - ٢٧ يونية ١٩٨١ م

المبادئ

إجراء عملية جراحية بتحويل الرجل إلى امرأة أو العكس جائز متى كان المقصود منها إبراز عضو خلقى مطمور ولا يجوز ذلك لمجرد الرغبة فى التغيير فحسب

السؤال

بالطلب المقدم من السيد / أس أ - من ماليزيا المتضمن أن مركز البحث الإسلامى فى ماليزيا طلب منه بيان حكم الشريعة الإسلامية فى إجراء عمليات جراحية يتحول بها الرجل إلى امرأة وما أشبه ذلك.

وبيان ما إذا كان يوجد من النصوص الشرعية والفقهية ما يؤيد ذلك وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى هذا الموضوع حتى يتسنى له أن يرسله إلى حكومة ماليزيا

الجواب

عن أسامة بن شريك قال (جاء أعرابى فقال يا رسول الله أنتداوى.

قال نعم فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله) - رواه أحمد وفى لفظ (قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى.

قال نعم. عباد الله تداووا.

فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا.

قالوا يا رسول الله وما هو. قال الهرم) . رواه ابن ماجه وأبو داود والترمذى وصححه (منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار للشوكانى ج - ٨ ص ٢٠٠) وعن جابر قال (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبى بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه) رواه أحمد ومسلم.

(المرجع السابق ص ٢٠٤) وفى حديث عرفجه الذى قطع أنفه يوم الطلاب قال (أصيب أنفى يوم الكلاب فى الجاهلية فاتخذت أنفا من ورق (فضة) فأنتن على، فأمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتخذ أنفا من ذهب) (صحيح الترمذى بشرح ابن العربى المالكى ج - ٧ ص ٢٦٩ و ٢٧٠ طبعة أولى المطبعة البهية المصرية بالأزهر سنة ١٣٥٠ هجرية - ١٩٣١ م) - قال ابن العربى فى شرحه لهذا الخبر إنه استثناء من تحريم الذهب بإجازة الانتفاع به عند الحاجة على طريق التداوى.

وعن عروة بن الزبير أن زينب بنت أبى سلمة أخبرته أن أم سلمة أخبرتها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان عندها وفى البيت مخنث (بفتح النون وكسرها) وهو المؤنث من الرجال وإن لم تعرف منه الفاحشة، وفإن كان ذلك فيه خلقه فلا لوم عليه، وعليه أن يتكلف إزالة ذلك وإن كان بقصد منه فهو المذموم (صحيح البخارى بشرح ارشاد السارى للقسطلانى ج - ٧ ص ١٤٦٠ طبعة سادسة المطبعة الأميرية ببولاق ١٣٠٥ هجرية مع شرح النووى على صحيح مسلم فى باب اخراد المتشبهين بالنساء من البويت) وفى فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج - ٩ ص ٢٧٣ طبعة حسنة ١٣٤٨ هجرية المطبعة البهية المصرية بالأزهر) لابن حجر العسقلانى فى باب المتشبهين بالنساء (أما ذم التبشبيه بالكلام والمشى فمختص ممن تعمد ذلك وأما من كان ذلك من أصل خلقته فإنما يؤمر بتركه والإدمان على ذلك بالتدريح، فإن لم يفعل وتمادى دخله الذم، ولا سيما إن بدا منه ما يدل على الرضا به، وأخذ هذا واضح من لفظ المتشبهين، وأما إطلاق من أطلق - كالنووى - وأن الخنث الخلقى لا يتجه عليه اللوم فمحمول على ما إذا لم يقدر على ترك التثنى والكسر فى المشى والكلام بعد تعاطيه المعالجة لترك ذلك، وإلا متى كان ترك ذلك ممكنا ولو بالتدريج فتركه بغير عذر لحقه اللوم.

واستدل لذلك الطبرى بكونه صلى الله عليه وسلم لم يمنع المخنث من الدخول على النساء حتى سمع منه التدقيق فى وصف المرأة، كما فى ثالث أحاديث الباب الذى يليه، فمنعه حينئذ.

فدل على أنه لاذم على ما كان من أصل الخلقة.

لما كان ذلك كان من فقه هذه الأحاديث الشريفة وغيرها من الأحاديث الواردة فى التداوى إجازة إجراء جراحة يتحول بها الرجل إلى امرأة، أو المرأة إلى رجل متى انتهى رأى الطبيب الثقة إلى وجود الدواعى الخلقية فى ذات الجسد بعلامات الأنوثة المطمورة، أو علامات الرجولة المغمورة، باعتبار هذه الجراحة مظهرة للأعضاء المطمورة أو المغمورة تداويا من علة جسدية - لا تزول إلا بهذه الجراحة، كما جاء فى حديث قطع عرق من أبى بن كعب وكيه بالنار حسبما تقدم.

ومما يزكى هذا النظر ما أشار إليه القسطلانى والعسقلانى فى شرحيهما على النحو السابق حيث قالا ما مؤداه إن على المخنث أن يتكلف إزالة مظاهر الأنوثة، ولعل ما قال به صاحب فتح البارى (بعد تعاطيه المعالجة لترك ذلك) واضح الدلالة على أن التكلف الذى يؤمر به المخنث قد يكون بالمعاجلة والجراحة علاج، بل لعله أنجح علاج.

ولا تجوز هذه الجراحة لمجرد الرغبة فى التغيير دون دواع جسدية صريحة غالبة، وإلا دخل فى حكم الحديث (منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار للشوكانى ج - ٦ ص ١٩٢) الشريف الذى رواه البخارى عن أنس قال (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال أخرجوهم من بيوتكم، فأخرج النبى صلى الله عليه وسلم فلانا وأخرد عمر فلانا) رواه أحمد والبخارى.

وإذا كان ذلك جاز إجراء الحراحة لإبراز ما استتر من أعضاء الذكورة أو الأنوثة، بل إنه يصير واجبا باعتباره علاجا متى نصح بذلك الطبيب الثقة.

ولا يجوز مثل هذا الأمر لمجرد الرغبة فى تغيير نوع الإنسان من امرأة إلى رجل أو من رجل إلى امرأة.

وسبحان الذى خلق فسوى والذى قدر فهدى.

والله سبحانه وتعالى أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>