للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التفاضل بين الملائكة والبشر]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

هل الملائكة أفضل من البشر، أم البشر أفضل منهم لأنهم أمروا بالسجود لأبيهم آدم؟

الجواب

يقول الله سبحانه {الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس} الحج:

٧٥.

تدل الآية على أن الملائكة والناس يصطفى الله منهم رسلا، لكن هل الاصطفاء بصورة واحدة وعلى مستوى واحد، أم أن هناك امتيازًا لنوع منهما على نوع آخر؟ ليس فى ذلك نص من قرآن أو سنة صحيحة، والخوض فى ذلك قد يؤدى إلى تنقيص بعضهم أو الغَضَ منه، ولا توجد له أهمية بالنسبة لحياتنا العملية، لكن العلماء القدامى أثاروا هذه المسألة وهذا طرف من ذلك:

ذكر القسطلانى فى المواهب اللدنية " ج ٢ ص ٤٥ " أن هناك اختلافا فى التفاضل بين الملائكة والبشر، فقال جمهور أهل السنة والجماعة:

خواص بنى آدم وهم الأنبياء أفضل من خواص الملائكة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش والمقربون والكروبيون والروحانيون [الكروبيون ملائكة العذاب والروحانيون ملائكة الرحمة فى بعض الأقوال] .

وخواص الملائكة أفضل من عوام بنى آدم وهم من عدا الأنبياء من الصالحين.

وذلك بالإجماع كما قال التفتازانى بل بالضرورة، وعوام بنى آدم أفضل من عوام الملائكة، ولذلك عدة مبررات: منها، أن مجموع الملائكة أمروا بالسجود لمجموع البشر الممثلين فى آدم، والمسجود له أفضل من الساجد، فإذا ثبت تفضيل الخواص من البشر وهم الأنبياء على الخواص من الملائكة بالسجود لآدم ثبت تفضيل العوام على العوام.

فعوام الملائكة خدم عمال الخير وهم صلحاء المؤمنين، والمخدوم له فضل على الخادم، ومنها أن المؤمنين ركب فيهم الهوى والعقل مع تسليط الشيطان عليهم بوسوسته، والملائكة ركب فيهم العقل دون الهوى أى الشهوة ولا سبيل للشيطان عليهم، فالإنسان - كما قاله التفتازانى فى شرح العقائد النسفية -يحصل الفوائد والكمالات العلمية والعملية مع وجود العوائق والموانع من الشهوة وشواغل الأمور الضرورية عن اكتساب الكمالات. ولا شك أن العبادة واكتساب الكمال مع الشواغل والصوارف أشق وأدخل فى الإخلاص فيكون الإنسان أفضل.

وذهب المعتزلة والفلاسفة وبعض الأشاعرة من أهل السنة إلى تفضيل الملائكة، وتمسكوا بنحو عشرين وجها، ذكر القسطلانى منها أربعة لا داعى لذكرهما، فهى ترف عقلى لمن أراد، فليرجع إليه، وقد وضح هذه النقطة أيضا القرطبى فى تفسير "ج ١ ص ٢٨٩ " وكذلك فى الجزء العاشر " ص ٢٩٤ " قائلا: وعلى الجملة فالكلام لا ينتهى فى هذه المسألة إلى القطع، وقد تحاشى قوم من الكلام فى هذا، كما تحاشوا من الكلام فى تفضيل بعض الأنبياء على بعض، إذ فى الخبر "لا تخايروا بين الأنبياء، ولا تفضلونى على يونس بن متى " وهذا ليس بشىء لوجود النص فى القرآن فى التفضيل بين الأنبياء.

ولعل النهى عن التفضيل يقصد به ما يثير فتنة وتعصبا، فالمقطوع به تفضيل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. حتى على الملائكة كما قاله المحققون

<<  <  ج: ص:  >  >>