للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بلعام بن عوراء]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

يقول الله سبحانه {واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين. ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} الأعراف:

١٧٥، ١٧٦، فيمن نزلت، وما كيفية الانسلاخ، ولماذا شبه بالكلب دون غيره، وفى أى عصر كان يعيش هذا الرجل؟

الجواب

اختلف فى تعيين الرجل المذكور، فقال ابن مسعود وابن عباس: هو بلعام بن باعوراء، وقيل تاعم، وهو من بنى إسرائيل، عاش فى زمن موسى عليه السلام وكان بحيث إذا نظر رأى العرش، وهو المعنىُّ بقوله تعالى {واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا} ولم يقل آية، وكان فى مجلسه اثنتا عشرة ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه ثم صار بحيث إنه كان أول من صنف كتابا فى أنه ليس للعالم صانع.

معنى هذا أنه كان صالحا ثم ضل، وهو معنى الانسلاخ، أى نزع الله منه العلم الذى كان يعلمه والإيمان الذى كان يلبس ثوبه.

وقيل: نزلت فى أمية بن أبى الصلت الثقفى، وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسولا فى ذلك الوقت، وتمنى أن يكون هو ذلك الرسول، فلما أرسل الله النبى صلى الله عليه وسلم حسده وكفر به، وهو الذى قال فيه الرسول "آمن شعره وكفر قلبه " وهناك أقوال أخرى ذكرها القرطبى فى تفسيره، وليس لواحد منها سند صحيح يوثق به، وقال: إن القول الأول أشهر وعليه أكثر المفسرين.

ولو أن هذا الرجل بقى على الهدى لأماته الله مؤمنا ورفع شأنه، ولكنه اتبع هواه وسار مع الشيطان ورغب فى الدنيا فكانت خاتمته سيئة، وقد شبه الرجل بالكلب يلهث دائما على كل حال، إن طردته أو لم تطرده، يقول ابن جريج: الكلب منقطع الفؤاد، لا فؤاد له (كذا) إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، كذلك الذى يترك الهدى لا فؤاد له، وإنما فؤاده منقطع، وقال القتيبى: كل شيء يلهث فإنما يلهث عن إعياء أو عطش، إلا الكلب فانه يلهث فى حال الكلال وحال الراحة وحال المرض وحال الصحة، وحال الرى وحال العطش، فضربه الله مثلا لمن كذب بآياته، فقال: إن وعظته ضل وإن تركته ضل، كقوله تعالى {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} الأعراف: ١٩٣.

وهذا المثل فى قول كثير من أهل العلم بالتأويل عام فى كل من أوتى القرآن فلم يعمل به. هذا من أحسن ما قيل فى تفسير هذه الآية، والأقوال كثيرة فى كتب التفسير وهى اجتهادية ليست قاطعة، وتكفينا العبرة من المثل

<<  <  ج: ص:  >  >>