للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أول وآخر ما نزل من القرآن]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما هى أول وآخر آية نزلت من القرآن الكريم؟

الجواب

لا شك أن معرفة تاريخ نزول السور والآيات لها فائدتها العظيمة فى التشريع، من أهمها معرفة الناسخ والمنسوخ، حينما يكون هناك نصان مختلفان فى الحكم، ولا يمكن التوفيق بينهما بمثل التقييد والتخصيص، وكذلك معرفة تدرج التشريع، وبيان اهتمام المسلمين بالقرآن والبحث عن تواريخ نزول الآيات والسور.

وأصح ما قيل فى أول ما نزل من القرآن أنه صدر سورة {اقرأ باسم ربك الذى خلق} فى غار حراء كما رواه البخارى ومسلم عن عائشة فى حديث أول ما بدئ به الرسول من الوحى. وقيل: إن أول ما نزل إطلاقا {يا أيها المدثر} وذلك لحديث رواه البخارى ومسلم أيضا عن جابر بن عبد الله، ولكن ردَّ عليه بأن ذلك أول ما نزل بعد فترة الوحى. للنص عليه فى رواية أخرى التى جاء فيها "فإذا الملك الذى جاءنى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض فرجعت إلى بيتى وقلت زمِّلونى، فأنزل الله {يا أيها المدثر} وقيل: إن أول ما نزل هو سورة الفاتحة، بناء على حديث رواه البيهقى. وردَّ بأنه حديث مرسل سقط منه الصحابى فلا يقوى على معارضة حديث عائشة السابق وقيل: إن أول ما نزل هو البسملة {بسم الله الرحمن الرحيم} بناء على حديث أخرجه الواحدى عن عكرمة والحسن، ورُدَّ بأنه حديث مرسل كسابقه، فهذه أربعة أقوال أصحها وأقواها الأول أما آخر ما نزل من القرآن ففيه عشرة أقوال:

١ - قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} البقرة: ٢٨١ بناء على حديث رواه النسائى عن ابن عباس، حيث عاش النبى صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال ثم توفى لليلتين خلتا من ربيع الأول.

٢ - قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين} البقرة: ٢٧٨ بناء على رواية للبخارى عن ابن عباس.

٣ - قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمًّى فاكتبوه} البقرة: ٢٨٢.

وجمع السيوطى بين هذه الأقوال بأن الظاهر نزولها دفعة واحدة كترتيبها فى المصحف، لأنها فى قصة واحدة. لكن الرأى الأول أقوى لما فى الآية من إشارة إلى ختام الدين ووجوب الاستعداد ليوم القيامة، وللنص فى الحديث على وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بعد نزولها بتسع ليال فقط.

٤ - قوله تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم} آل عمران: ١٩٥ والدليل حديث أخرجه ابن مردويه عن أم سلمة أنها قالت للرسول صلى الله عليه وسلم أرى الله يذكر الرجال ولا يذكر النساء، فنزلت {ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض} النساء: ٣٢ ونزلت {إن المسلمين والمسلمات} الأحزاب:٣٥ ونزلت آية {فاستجاب لهم ربهم} فهى آخر ما نزل من الآيات الثلاث، وليست آخر ما نزل من القرآن.

٥ -قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} النساء:

٩٣ والدليل ما أخرجه البخارى وغيره عن ابن عباس حيث قال:

هى آخر ما نزل ولم ينسخها شىء، ويجاب على ذلك بأنها آخر ما نزل فى حكم قتل المؤمن عمدا، وليست آخر ما نزل من القرآن.

٦ - قوله تعالى: {يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة} النساء:

١٧٦ والدليل ما رواه البخارى ومسلم عن البراء بن عازب، ورد بأنها آخر ما نزل فى المواريث، كما قال عن سورة براءة بأنها آخر ما نزلت، فيحمل القول على أن ذلك بالنسبة لتشريع الجهاد والقتال، فالآخرية نسبية إضافية لا حقيقية مطلقة.

٧-سورة المائدة، بناء على رواية للترمذى والحاكم عن عائشة، وردَّ بأنها آخر سورة نزلت فى الحلال والحرام فلم تنسخ فيها أحكام، فالآخرية مقيدة بذلك وليست مطلقة.

٨-قوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} التوبة: ١٢٨ بناء على ما رواه الحاكم وابن مردويه عن أُبى بن كعب، ويرد عليه بأن الآخرية معناها أنها آخر آية نزلت من سورة براءة ويؤيده ما قيل:

إن هذه الآية وما بعدها نزلت بمكة مع أن السورة مدنية، فالسورة تحدثت عن الجهاد، والآيتان ليس فيهما أمر به، لأن الجهاد لم يفرض بمكة.

٩- آخر سورة الكهف {فمن كان يرجو لقاء ربه} بناء على ما أخرجه ابن جرير عن معاوية بن أبى سفيان، ويرد عليه بأن الآخرية بحسب عدم نزول ما ينسخها بعدها.

١٠ - {إذا جاء نصر الله والفتح} لما رواه مسلم عن ابن عباس، وردَّ بأنها آخر ما نزل مشعرا بوفاة النبى صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما روى عن أنه قال حين نزلت " نُعيتْ إلىَّ نفسى " وفهم ذلك بعض كبار الصحابة، فقد ورد أن عمر بكى عند سماعها وقال: الكمال دليل الزوال.

ويحتمل أنها آخر ما نزل من السور فقط كما تدل عليه رواية ابن عباس.

هذا ما لخصته من الإِتقان فى علوم القرآن للسيوطى. ومن مناهل العرفان للزرقانى، ومن أراد الزيادة فليرجع إليهما

<<  <  ج: ص:  >  >>