للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حديث الذبابة]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما رأى الدين فى الحديث المشهور عن غمس الذبابة فى الشراب إذا وقعت فيه؟

الجواب

روى البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا وقع الذباب فى شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن فى أحد جناحيه داء وفى الآخر شفاء" وجاء فى روايات لغير البخارى التعبير بإناء بدل شراب، والتعبير بقوله "فامقلوه " بدل "فليغمسه " وأن الذباب يقدم الجناح الذى فيه الداء ويؤخر الجناح الذى فيه الدواء، والحديث يأمر بنزع الذبابة بعد غمسها وعدم تركها فى الإناء.

حول هذا الحديث قامت معركة كبيرة بين الأطباء أنفسهم، وأدلى كل فريق بوجهة نظره، وتبين من كلامهم - وهم أهل الذكر فى الناحية الطبية - أن الطب ما زالت فيه أسرار لم يصل العلم إلى كشفها حتى الآن، وقام بعض خبراء التحليل ببحوث أثبت فيها أن الذباب - وبخاصة النوع الذى يعرف بالزنبور- فى جسمه سم وترياق، أو مرض ودواء، ومعروف لدى الجميع أن سم العقرب يعالج بسم العقرب بعد إجراءات خاصة، والتحصين من بعض الأمراض يكون بمسبب هذه الأمراض بعد ترويض الميكروبات أو الفيروسات - حسب مصطلحهم - بعمليات معينة.

وأكد علماؤنا الأجلاء أن الحديث ما دام قد ثبت بطريق صحيح فلا ينبغى أن نسارع بتكذيبه إذا خالف شيئا مألوفا لم يصل إلى درجة الحقيقة القاطعة، ولا أن نسارع بتأويله ليناسب ما عهدناه، إلا إذا ثبت بالقطع الذى لا يعتريه شك، فهنا يكون التأويل مسموحا به، ووجوه هذا التأويل كثيرة.

والتعارض بين النص والحقيقة هو تعارض فى ظاهر النص لا فى حقيقته، لأن الحقيقتين لا تتعارضان أبدا تعارضا كاملا من كل الوجوه، لأنهما من صنع الله الحكيم.

ومن العلماء المرموقين فى التوفيق بين الروايات التى يتعارض بعضها مع بعض: ابن قتيبة الدينورى المتوفى سنة ٢٧٦ هـ، وأشار إلى حديث الذباب فى كتابه "تأويل مختلف الحديث " وأورد كلام الأطباء فى منافع الحيات والعقارب والذباب.

والمرحوم الشيخ يوسف الدجوى أجاب عن هذا الحديث بما لا يخرج عما تقدم وأيده بمحاضرة ألقاها السيد / إبراهيم مصطفى عبده - معيد فى الصيدلة وتركيب العقاقير الطبية - فى جمعية الهداية الإسلامية بالقاهرة بتاريخ ١٩ / ٣/ ١٩٣١ م، ونشر ذلك بمجلة الإسلام فى ٣٠/١٢/١٩٣٢ م، أيدها بتجارب ونُقُول عن كبار الأطباء العالميين، كما نشر بمجلة الأزهر " عدد رجب ١٣٧٨ ط " وكان هذا الحديث ضمن الرسالة التى قدمها المرحوم الشيخ محمد محمد أبو شهبة لنيل درجة الأستاذية سنة ١٩٤٦ م وفيه نُقُول طبية عن كبار الأطباء، ويمكن الرجوع فى هذا الموضوع إلى كتابه "دفاع عن السنة" صفحة ١٩٩.

وجاء فى محاضرة الأستاذ إبراهيم مصطفى أن الذباب يقع على العفونات وما فيها من جراثيم، ويتحول ما يأكله فى داخل جسمه إلى ما سماه علماء الطب "البكتريوفاج " الذى ينتصر على كثير من الجراثيم، وأثبت ذلك بما نقله عن مجلة التجارب الطبية الإنجليزية "عدد ١٠٣٧ عام ١٩٢٧م ".

وبرهن على ذلك أيضا الدكتور "دريل " مندوب الصحة البحرية فى الهند للبحث عن ظهور الكوليرا فيها، وقدم تقريرا عن بحوثه فى ديسمبر ١٩٢٧ م، وأكد فاعلية البكتريوفاج الذى ينقله الذباب من براز الناقهين إلى آبار الماء، فيشربه الأهالى، فسرعان ما تخف عنهم وطأة الكوليرا ثم تزول.

وأجريت مثل تجارب الدكتور "دريل " فى البرازيل عن الدوسنتاريا الحادة، واستعمل البكتريوفاج فى علاج الحمى التيفودية، وضد جراثيم أخرى.

ويقول الأستاذ إبراهيم مصطفى، اطلعت على تفصيل قوة البكتريوفاج فى مقاومة وإبادة الجراثيم فى كتاب باللغة الإنجليزية اسمه "تمهيد البكتريولوجى العملى " الذى يدرس فى كلية الطب المصرية، يكاد يذكر أنها غير محدودة.

ثم يقول الشيخ يوسف الدجوى بعد استشهاده بهذه المحاضرة:

ومع ذلك نقول بالاحتياط من الذباب، وغاية ما يريده الحديث أنك إذا فرطت فى الوقاية فلا تفرط فى العلاج بغمس الذبابة كلها

<<  <  ج: ص:  >  >>