للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حديث المتطوع أمير نفسه]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

إذا شرع الإنسان فى عبادة نافلة أى غير مفروضة، كصلاة الضحى وصيام يوم عرفة، وحج التطوع، هل له أن يخرج من هذه العبادة، أو لا بد من إتمامها، وإذا خرج منها هل يجب عليه أن يقضيها أو لا يجب؟

الجواب

يقول الله سبحانه {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم} محمد: ٣٣.

روى البخارى وغيره أن سلمان أمر أبا الدرداء بأن يفطر من صوم كان متطوعا فيه -وذلك عند ما زاره فصنع له طعاما ولم يأكل معه لأنه صائم - ولما ذكرا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم (صلى الله عليه وسلم) قال: " صدق سلمان ".

وروى مسلم وأبو داود والنسائى عن عائشة رضى الله عنها قالت:

دخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال " هل عندكم شئ "؟ فقلت: لا، قال "فإنى صائم " ثم مر بعد ذلك اليوم وقد أهدى إلى حيس، فخبأت له منه، وكان يحب الحيس، قلت: يا رسول الله إنه أهدى لنا حيس فخبأت لك منه، قال " أدنيه، أما إنى قد أصبحت وأنا صائم " فأكل منه ثم قال لنا "إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها" هذا لفظ رواية النسائى وهو أتم من غيره، وروت أم هانى قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بشراب فناولنيه فشربت منه، ثم قلت: يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة، فقال لها "أكنت تقضين شيئا"؟ قالت: لا، قال " فلا يضرك إن كان تطوعا" رواه سعيد وأبو داود. وفى رواية لأحمد والدارقطنى والبيهقى أنه صلى الله عليه وسلم قال لها "إن المتطوع أمير نفسه، فإن شئت فصومى وإن شئت فأفطرى" وروى الحاكم مثله وصححه.

وروى عن عائشة أنها قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين فأهدى لنا حيس فأفطرنا. ثم سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "اقضيا يوما مكانه ".

من شرع فى عبادة مفروضة حرم عليه أن يفسدها أو يبطلها، بناء على ما ورد فى مبطلات الصلاة والصيام والحج من النصوص، وعليه أن يعيد هذه العبادة على وجهها الصحيح أو يقضيها إن فات وقتها، وإلى جانب النصوص الخاصة بكل عبادة تنهى الآية المذكورة عن إبطال الأعمال، وهو يشمل الإبطال المادى والمعنوى، ومن المعنوى الرياء الذى يبطل الثواب وإن لم يبطل مادة العمل، وعدم الخشوع فى الصلاة، والكذب والزور والغيبة فى الصيام، والرفث والفسوق والجدال فى الحج فى بعض معانى هذه الأمور، فهى تبطل الثواب ولا تبطل الصحة فلا تلزم الإعادة أو القضاء.

أما من شرع فى عبادة غير مفروضة كالأمثلة المذكورة فى السؤال فإن الخروج منها وإبطالها ماديا اختلف العلماء فى جوازه ومنعه، ففريق قال بجواز الخروج وعدم وجوب الإتمام، بناء على الحديث الأول عن عائشة والحديث الثانى عن أم هانى إلى جانب حديث سلمان وأبى الدرداء وأجابوا على الآية باحتمال، أن يكون النهى عن إبطال الثواب، فهو ليس نصا فى الإبطال المادى. كما أجابوا على الحديث الثالث الوارد فى عائشة وحفصة بالضعف، قال عنه أبو داود: لا يثبت، وقال الترمذى: فيه مقال، وضعفه الجوزجانى وغيره، وإن قبل هذا الحديث فأمر الرسول لهما بالقضاء للاستحباب لا للوجوب. وقالوا: يستحب إتمام النفل ويستحب قضاؤه إن أبطله وذلك للخروج من الخلاف.

وهذا الرأى مروى عن ابن عمر وابن عباس وابن مسعود. وبه أخذ أحمد والشافعى.

وفريق قال بحرمة الخروج من التطوع وبوجوب إتمامه، ودليلهم فى ذلك الآية الناهية عن إبطال الأعمال، والحديث الثالث الوارد فى عائشة وحفصة، ورد عليهم الأولون بما سبق ذكره.

وعلى هذا الرأى أبو حنيفة ومالك، فالنفل يلزم بالشروع فيه ولا يخرج منه إلا لعذر، فإن خرج وجب القضاء عند أبى حنيفة، ولا يجب عند مالك هكذا قال ابن قدامة، لكن جاء فى فقه المذاهب الأربعة أن المالكية قالوا:

يجب قضاء النفل إذا أفسده، فيبدو أن ما قاله ابن قدامة رواية أخرى عن مالك.

هذا، وإذا كانت الأحاديث واردة فى الصوم فإن سائر النوافل من الأعمال حكمها حكم الصوم، فى أنها تلزم بالشروع فيها أو لا تلزم، وفى أنها تقضى أو لا تقضى.

لكن الحج والعمرة لهما حكم آخر إذا كانا غير واجبين، فإنهما يخالفان سائر العبادات فى هذا، فيجب إتمامهما بالشروع فيهما، ولا يخرج منهما بإفسادهما، وذلك لتأكد إحرامهما كما يقول ابن قدامة فى كتابه "المغنى" انظر صفحة ٨٩، ٩٠، ١١٢ من الجزء الثالث وانظر ص ٢٥٥ من الجزء السادس عشر من تفسير القرطبى ونيل الأوطار ج ٤ ص ٢٠٩ هذا ما قاله العلماء فى إتمام النفل، وللقارىء اختيار ما يراه فدين الله يسر

<<  <  ج: ص:  >  >>