للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرسول والصدقة والهدية]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

سمعنا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، فهل هذا صحيح وما الفرق بينهما؟

الجواب

الصدقة مال ونحوه يملَّك لمحتاج دون مقابل مشروط تدفع إليه الرحمة والشفقة، ويقصد بها أول ما يقصد ثواب الله تعالى والهبة أو الهدية مال ونحوه يملك دون مقابل مشروط فى بعض الأحيان، ولكن لغير محتاج ولا يقصد منه ثواب الله بقدر ما يقصد منه التكريم، ولا تدفع إليه الرحمة والشفقة بقدر ما تدفع إليه المودة والمحبة.

وقد قال العلماء: إن كانت الهدية إلى صغير فلا ينتظر لها مقابل، ولا يجب على المهدى إليه شىء، وإن كانت إلى كبير فالغالب قصد المقابل، والمكافأة عليها واجبة، وإن كانت إلى نظير مماثل كان فيها احتمال للمقابل وللمكافأة عليها. وإن كانت هذه المكافأة مطلوبة فى جميع الحالات ولو بالثناء والشكر، ففى حديث أبى داود والنسائى وغيرهما "من أتى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه ".

والهدية مشروعة بل مستحبة إن لم تكن لغرض غير مشروع، وذلك لحديث البيهقى بإسناد حسن "تهادوا تحابوا" حتى لو كانت بين المسلم وغيره، كما قبل النبى هدية المقوقس وأهدى بعض الكفار ويسن قبولها حتى لو كانت بسيطة، ففى حديث البخارى "لو أهدى إلىَّ كراع أو ذراع لقبلت " فكان يقبل الهدية ويثيب عليها كما رواه البخارى.

أما الصدقة فلم يكن يقبلها لأنها أوساخ الناس ويصحبها فى الغالب ذلة ومهانة ومنة. فكان إذا أتى إليه بطعام من غير أهله سأل عنه، فإن كان صدقة قال لأصحابه كلوا ولم يأكل، وإن كان هدية أكل معهم،وقد يكون الطعام فى أوله صدقة فيحرم عليه أكله ثم يصير هدية فيحل له أن يأكله، ثبت فى البخارى ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم تصدق بشاة على نُسيبة أم عطية الأنصارية فأهدت إلى السيدة عائشة رضى الله عنها منها شيئا، ولما سألها الغداء قالت ما عندنا إلا شىء مما تصدقت به أنت على نسيبة، فقال "إنها بلغت محلَّها " أى زال عنها حكم الحرمة وصارت حلالا بالهدية، كما ثبت فيهما أيضا مثل ذلك فى طعام تصدق به على بريرة ثم أعطت منه عائشة فأكل منه النبى صلى الله عليه وسلم وقال "هو عليها صدقة ولنا هدية".

قال العلماء: المعنى أن الصدقة إذا أخذها الإنسان صارت ملكا له يتصرف فيها بالبيع والهبة وغيرها فيزول عنها وصف الصدقة، والتحريم على الصفة لا على العين، وقال الأبى فى شرح مسلم، كون الصدقة أوساخ الناس ليس وصفا ذاتيا بل هو وصف حكمى، جعل بالشرع وزال بالشرع

<<  <  ج: ص:  >  >>