للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وضع الجريد على القبر]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

نرى كثيرا من زوار القبور يضعون عليها الزهور والجريد، فهل هذا مشروع؟

الجواب

روى البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: " إنهما ليعذبان، وما يعذبان فى كبير، أما هذا فكان لا يستنزه من البول، وأما هذا فكان يمشى بين الناس بالنميمة) ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين، ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا وقال: " لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ". العسيب - الجريدة التى لم ينبت فيها خوص، فإن نبت فهى السعفة.

وفى حديث مسلم عن جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أمره أن يقطع غصنين من شجرتين كان النبى صلى الله عليه وسلم يستتر بهما عند قضاء حاجته، ثم أمره أن يلقى الغصنين عن يمينه وعن يساره حيث كان النبى صلى الله عليه وسلم جالسا ولما سأله عن ذلك قال: (انى مررت بقبرين يعذبان فاحببت بشفاعتى أن يرفعه عنهما ما دام الغصنان رطبين) " شرح النووى ج ١٨ ص ٤ " وهناك قصة ثالثة رواها ابن حبان فى صحيحه عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بقبر فوقف عليه فقال: (ايتونى بجريدتين) فجعل أحداهما عند رأسه، والآخرى عند رجليه.

وأكثر من قصة وردت فى وضع الجريد على القبر، والعلماء فى مشروعيته فريقان، فريق يقول: إنه خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم وليس مشروعا لغيره، وفريق يقول: إنه عام لكل المسلمين فالخطابى فى شرح سنن أبى داود "ج اص ٤٢ " يستنكر وضع الجريد على القبر لغير النبى صلى الله عليه وسلم، والطرطوشى يعلم ذلك بأنه خاص ببركة يده عليه الصلاة والسلام، ويد غيره لا يجزم ببركتها، وابن رشيد يستنتج أن البخارى مع هذا الفريق، وذلك حيث عقب الحديث بقول ابن عمر: إنما يظله عمله. وذلك فى فسطاط - بيت من الشعر أو غيره -وضع على قبر عبد الرحمن بن أبى بكر، حيث قال:

انزعه يا غلام فإنما يظله عمله، والقاضى عياض ينضم إلى هذا الفريق ويقول: إن غرزهما على القبر سببه أمر مغيب. وهو قوله (ليعذبان) ، وليس هنالك من الناس من يعلم الغيب، كما أن بعض العلماء من هذا الفريق قال: لم يثبت أن أحدا من الصحابة فعل ذلك إلا بريدة بن الخصيب الأشلمى، ولو كان جائزا ما تركوه وتفرد به واحد منهم.

والفريق المجيز لوضع الجريد على القبر لعامة المسلمين قال: لم يرد ما يدل على خصوصية النبى صلى الله عليه وسلم بذلك، فيبقى فعله عاما له ولأمته على التأسى به فيما لا يخص به، كما أنه لم يرد ما يدل على أن الصحابة اعترضوا على ابن الخصيب الذى أوصى أن يوضع على قبره جريدتان، بل روى الأكثرون أنه أوصى أن يوضع فى قبره لا على قبره، وقد فعل هو ذلك تأسيا بالنبى صلى الله عليه وسلم.

وعدم نقل أن الصحابة وضعوا الجريد على القبور، لعله لعدم علمهم بأن صاحب القبر يعذب، أو رجاء صلاحه واستغنائه عن ذلك.

وابن حجر رد على تعليل القاضى عياض غرز الجريد بأن العذاب مغيب لا يعلمه إلا النبى صلى الله عليه وسلم، فقال لا يلزم من كوننا لا نعلم: أيعذب أم لا، إلا نتسبب له فى أمر يخفف عنه العذاب أن لو عذب، كما لا يمنع كوننا لا ندرى: أَرُحِمَ أم لا، ألا ندعو له بالرحمة، وليس فى السياق ما يقطع على أنه - النبى- باشر الوضع بيده الكريمة، بل يحتمل أن يكون أمر به، وقد تأسى بريدة بذلك وهو أولى أن يتبع من غيره. " فتح البارى لابن حجر-ج ١ ص ٣٣، ج ٢ ص ٦٦ ٤ ". والحكمة فى تخفيف العذاب ما دامت الرطوبة فى الغصن قيل: أنها غير معلومة كالحكمة فى كون عدد الزبانية تسعة عشر، وقيل:

إن الغصن يسبح ما دام رطبا فيحصل التخفيف ببركة التسبيح، وعلى هذا فهو مطرد فى كل ما فيه رطوبة من الأشجار وغيرها، وقال الخطابى: انتفاع الميت بالجريدة محمول على أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا لصاحبى القبرين بالتخفيف مدة بقاء النداوة، لا أن فى الجريدة معنى يخصه، ولا أن فى الرطب معنى ليس فى اليابس.

هذه هى المسألة بين المجيزين والمانعين، وأرى أنه ليس فيها ما يدل على المنع، وما دام هناك إيمان بأن النافع والضار هو الله وحده، وأن ما نقدمه للميت من دعاء وصدقة وغيرهما هو من باب الأسباب التى تستمطر رحمة الله سبحانه، فلا داعى للإنكار، والله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>