للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الجنة والنار مخلوقتان]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

هل الجنة والنار من خلق الدنيا أم الآخرة، فإن كانت الأولى فأين فراغهما والجنة وحدها عرض السموت والأرض، وما عملهما في الدنيا وهما حصادها في للآخرة، وإن كانت الثانية فكيف إذا جاء شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار كما يقول الحديث الشريف؟

الجواب

موضوع خلق الجنة والنار ثار فيه الجدل قديما، فذهب جمهور المسلمين إلى أنهما مخلوقتان الآن، وذهبت طائفة من المعتزلة والخوارج إلى أنهما لا يخلقان قبل يوم القيامة، فهما ليستا موجودتين الآن. وقد ساق كل من الفريقين أدلته، ونوقشت الأدلة ورجح القول بأنهما مخلوقتان بالفعل، وذلك لكثرة النصوص فى القراَن والسنة بأن الجنة أعدت للمتقين، وأن النار أعدت للكافرين، وهذا الإعداد المعبر عنه بصيغة الماضي يدل وضعًا على وجودهما بالفعل، وأما القول بأن التعبير بالماضي هو لمجرد التأكيد بأنهما سيوجدان في المستقبل فهو عدول عن الظاهر بدون مبرر، وإن كان يمكن أن يقال:

إن التعيير بالماضي فى الإعداد هو بمعنى أنه تقرر في علم اللَّه على وجه التأكيد فالإخبار بوجودهما وإعدادهما إخبار عن علم الله لا عن وجودهما بالفعل، وبهذا لا يكون الدليل قطعي الدلالة على وجودهما الفعلي الواقعي.

وقول من قال إن وجودهما الآن عبث لأنهما للجزاء، والجزاء لا يكون إلا يوم القيامة قول مردود، فإن الفائدة من وجودهما الفعلي ليست محصورة في الجزاء، فكم من أفعال تخْفى حكمتها على العقول {واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون} .

وقد يؤكد هذا أن الشهداء ينتقلون من الدنيا لحياة أفصل عند ربهم يرزقون، ومن ضمن الرزق والنعيم أن أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة تأوى إلى قناديل تحت العرش كما رواه مسلم وغيره فالجنة الآن موجودة يتنعم فيها الشهداء لأنهم أحياء وليسوا بأموات كما قال اللَّه تعالى {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران: ١٦٩، ويؤكده أيضًا ما ثبت فى النصوص من نعيم القبر وعذابه، وهو أثر من أثار وجود الجنة والنار قال تعالى {النار يعرضون عليها غدوًّا وعشيًّا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} غافر: ٤٦، فهذا نص على أن النار موجودة ويعرض عليها الكافرون قبل أن يدخلوها يوم القيامة.

ومهما يكن من شيء فإنه لابد من الإيمان بأن هناك جنة ونار كما نص القرآن الكريم، أما اعتقاد أنهما موجودتان الآن، أو ستوجدان يوم القيامة فليس مما كلف به المسلمون، والنتيجة هي أنهما دارا ثواب وعقاب، وعلى المؤمن أن يستعد بعمله الصالح حتى يدخل الجنة وينجو من النار. وكذلك مكان وجودهما لسنا مكلَّفين بمعرفته، واستبعاد أن تكونا موجودتين في الدنيا لأن الجنة وحدها عرض السموت والأرض أجاب عنه النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير الآية {وجنة عرضها السموات والأرض} بقوله "فأين الليل إذا جاء النهار"؟ فالكون واسع لا يعلم سعته إلا اللَّه سبحانه، والجنة عرضها ليس هو عرض السموات والأرض الموجودة أمامنا بل هو مثله كما يفيد التعبير عن ذلك في آية {عرضها كعرض السموات والأرض} الحديد: ٣١، وهو كناية عن السعة.

ومعنى فتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب جهنم في رمضان فسره العلماء بأنه كناية عن سعة رحمة اللَّه في هذا الشهر، أو عن كثرة الطاعة والقربات التي توصل إلى الجنة، كأن أصحابها يدخلون الآن بما يقدمون من عمل، وعن قلة المعاصي التي توصل إلى النار، كأنه لا يوجد في رمضان من يعصي اللَّه ويستحق دخولها، وذلك بالنسبة للمؤمنين الطائعين، أما الكافرون - وما أكثرهم - فإن أبواب جهنم مفتوحة لهم، استعدادًا لدخولهم في كل وقت من الأوقات، بسبب ما هم فيه من كفر وعصيان، ذلك بعض ما قيل في الموضوع، ولعله يكفي في الإجابة على السؤال

<<  <  ج: ص:  >  >>