للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قضاء الواجبات عن الأموات]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

كثر السؤال عن حكم قضاء ما فات الأموات من واجبات، وهل ينتفعون بما يهدى إليهم من قربات؟

الجواب

الواجبات التى لم يؤدها الميت ديون عليه، وهى نوعان: ديون للعباد، وديون لله، فأما ديون العباد فالإجماع على مشروعية قضاء الحى لها عن الميت، والأخبار الصحيحة كثيرة فى خطورة الديْن وأثره على الميت، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا جاءت جنازة ليصلى عليها سأل: هل عليه دين أم لا، فإن كان عليه دين لم يصل عليه. وجاء الخبر بأن رحمة الله معلقة عن الميت حتى يُقضى عنه دينه وسيجىء قول النبى صلى الله عليه وسلم لمن سألته عن قضاء الحج عن أمها: "أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته "؟ رواه البخارى.

وأما حقوق الله كالعبادات فإليك بعض ما ورد فيها من نصوص وما فهمه العلماء منها:

(١) الصلاة:

الصلاة عبادة بدنية محضة، لم يرد نص خاص عن النبى صلى الله عليه وسلم بجواز قضائها عن الميت، والوارد هو عن بعض الصحابة، فقد روى البخارى أن ابن عمر رضى الله عنهما أمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء-يعنى ثم ماتت -فقال: صلى عنها. وروى ابن أبى شيبة بسند صحيح أن امرأة قالت لابن عباس رضى الله عنهما: أن أمها نذرت مشيا إلى مسجد قباء، أى للصلاة، فأفتى ابنتها أن تمشى لها.

وأخرجه مالك فى الموطأ أيضا.

والصلاة المرادة هنا صلاة نفل نذر أداؤها فى قباء فوجبت ولزمت، ومن هنا رأى بعض العلماء جواز قضاء الصلاة عن الميت، سواء أكانت مفروضة أصلا أم منذورة، لكن الجمهور قال بعدم جواز قضاء المفروضة. ونقل ابن بطال الإجماع على ذلك، ومع عدم التسليم بهذا الإجماع، فإن الجمهور رد استدلال القول المجيز للقضاء بأن النقل عن ابن عمر وابن عباس مختلف، فقد جاء فى موطأ مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يصلى أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، وأخرج النسائى عن ابن عباس مثل ذلك القول. ولكن لعل المنع فى حق غير المنذورة.

وقال الحافظ: يمكن الجمع بين النقلين بجعل جواز القضاء فى حق من مات وجعل النفى فى حق الحى (نيل الأوطار ج ٩ ص ١٥٥) وبهذا يعلم أن ما يعمله بعض الناس مما يسمى بإسقاط الصلاة عن الميت غير مشروع، والواقع أن الله سبحانه وتعالى جعل أداء الصلاة من اليسر بحيث تصح بأية كيفية من الكيفيات عند العجز، حتى إنه لم يسقطها عن المجاهد وهو فى ساحة القتال أثناء المعركة، وعن المقيد بالأغلال واكتفى بما يستطاع ولو بالإيماء، فقول الجمهور بعدم جواز قضائها عن الميت هو المختار للفتوى، ولا يصح غيره، حتى لا يكون هناك تهاون بعمود الدين.

(ب) الصيام.

الصيام عبادة بدنية أيضا إذا تركه الميت وكان قادرا على أدائه، جاء فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه " رواه البخارى ومسلم. وروى أحمد وأصحاب السنن أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أمى ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: "نعم فدين الله أحق أن يقضى" وبناء على هذا قال الشافعية والحنابلة بجواز قضاء الصوم من الولى، بل قالوا باستحبابه، وبجوازه من الأجنبى إن أذن الولى، لكن الأحناف والمالكية قالوا: إن وليه لا يصوم عنه، بل يطعم مدا عن كل يوم. وحجتهم أن الصيام عبادة بدنية كالصلاة لا تقبل النيابة، لكن النووى قال فى جواز القضاء: إنه هو الصحيح المختار والنصوص تشهد له.

(ب) الزكاة:

الزكاة، وأطلق عليها اسم الصدقة أحيانا، عبادة مالية محضة، فيها حق لله وحق للعباد، وقضاؤها عن الميت قضاء لدين الله ودين العباد، والقول بجواز ذلك لا ينبغى الخلاف فيه، وتقدم أن دين العباد مفروغ من جواز قضائه، وحق الله أولى أن يقضى. وروى مسلم وغيره أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: أن أبى مات وترك مالا ولم يوص، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: (نعم) والتعبير بقوله: "فهل يكفر عنه " يفيد أن ما فات الميت كان واجبا عليه، إما زكاة وإما صدقة منذورة. وروى البخارى ومسلم أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إن أمى افتلتت نفسها -ماتت فجأة- وأراها لو تكلمت تصدقت، فهل لها من أجر إن تصدقت عنها؟ قال: (نعم) وقد ذهب الجمهور إلى أن من مات وعليه نذر مالى يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوص. إلا إذا وقع النذر فى مرض الموت فيكون من الثلث.

وشرط المالكية والحنفية أن يوصى بذلك "نيل الأوطار ج ٨ ص ١٥٦ ".

(د) الحج:

الحج عبادة بدنية ومالية معا، ورد فى قضائه حديث البخارى أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمى نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: (حجى عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا فالله أحق بالقضاء) . وإذا كان الحج المنذور يجب قضاؤه عن الميت فالحج الواجب أصلا على المستطيع الذى لم يقم به يكون قضاؤه واجبا. ووجوب القضاء عنه لا يحتاج إلى وصيته بذلك ويجب إخراج الأجرة من رأس المال، وهذا هو قول الجمهور، تغليبا للجانب المالى فيه كالزكاة والكفارة ونحوهما، وقال مالك: يشترط أن يوصى الميت بذلك، وإذا أوصى حج عنه من الثلث

<<  <  ج: ص:  >  >>