للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ختم الصلاة]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

هل الأفضل ختم الصلاة سرا أو جهرا؟

الجواب

وردت نصوص فى فضل الإسرار بالذكر والدعاء عامة، منها قوله تعالى {واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال} الأعراف:٢٠٥، وقوله تعالى {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} الأعراف:٥٥، وروى مسلم عن أبى موسى قال: كنا مع النبى @ فى سفر-وفى رواية فى غزاة -فجعل الناس يجهرون بالتكبير-وفى رواية:

فجعل رجل كلما عَلاَ ثَنِيه قال: لا إله إلا الله - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيها الناس اربعوا على أنفسكم، إنكم لستم تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم " وقال الرسول صلى الله عليه وسلم " خير الذكر الخفى "وقال " السر بالقرآن كالسر بالصدقة ".

كما وردت نصوص فى فضل الجهر بالذكر عامة، منها الحديث القدسى الذى رواه البخارى " أنا عند ظن عبدى بى، وأنا معه إذا ذكرنى، فان ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه " والذكر فى الملأ لا يكون غالبا إلا عن جهر، كما صح فى مسلم وغيره أن الملائكة تحف مجالس الذكر، وبخاصة فى بيوت الله، وأن الله يغفر لمن يجالسون الذاكرين لله. وأخرج البيهقى أن رجلا كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل:

لو أن هذا خفض من صوته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعه فإنه أوَّاه " وأخرج الحاكم عن عمر رضى الله عنه مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم " من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وبنى له بيتا فى الجنة ".

وقد جمع النووى بين نصوص الجهر ونصوص الإسرار فقال -: إن الإخفاء أفضل حيثما خاف الرياء أو تأذى به مصلون أو نيام، والجهر أفضل فى غير ذلك، لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين، ولأنه يوقظ قلب القارى، ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم، ويزيد النشاط.

وقال بعضهم: يجب الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها، لأن المسر قد يمل فيأنس بالجهر. والجاهر قد يكل فيستريح بالإسرار انتهى.

وذلك كله فى غير التَّعْليم وفيما إذا كان الدعاء جماعيا كما فى صلاة الاستسقاء والقنوت مثلا، فالجهر أفضل.

وما سبق هو فى الذكر والدعاء عامة، أما بخصوص ما بعد الصلاة فقد وردت نصوص فى الجهر منها قول ابن عباس رضى الله عنهما، كما رواه البخارى ومسلم: كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير. وفى رواية لمسلم: كنا ... وفى رواية لهما عنه أيضا أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا إذا سمعته.

ومعنى هذا أن الناس الذين كانوا يصلون خلف النبى صلى الله عليه وسلم، وبخاصة من يكونون فى الصفوف الخلفية لا يسمعون عبارة " السلام عليكم " التى ينتهى بها الرسول من الصلاة فيظلون منتظرين حتى يفرغ الرسول منها ويشرع فى ختام الصلاة بالتكبير والتسبيح والتحميد وما إلى ذلك، أى أن صوته كان مرتفعا فسمعوه.

وورد فى الإسرار بختام الصلاة ما رواه أحمد عن أبى سعيد الخدرى قال:

اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعهم يجهرون بالقراءة وهم فى قبة لهم، فكشف الستور وقال " ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة " أو قال " فى الصلاة ".

وبناء على هذه النصوص اختلف الفقهاء، فى حكم الجهر بالذكر عقب الصلوات، فمنهم من قال: لا بأس به، بناء على ما رواه ابن عباس، ومنهم من قال بكراهته، بناء على ما رواه أبو سعيد الخدرى.

قال الإمام النووى فى شرح صحيح مسلم "ج هـ ص ٨٤ " تعقيبا على حديث ابن عباس: هذا دليل لما قاله بعض السلف: إنه يستحب رفع الصوت بالتكبير والذكر عقب المكتوبة، وممن استحبه من المتأخرين ابن حزم الظاهرى.

ونقل ابن بطال وآخرون أن أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرهم متفقون على عدم استحباب رفع الصوت بالذكر والتكبير. وحمل الشافعى رضى الله عنه هنا الحديث - حديث ابن عباس - على أنه جهروا وقتا يسيرا حتى يعلمهم صفة الذكر، لا أنهم جهروا دائما. قال فأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله تعالى بعد الفراغ من الصلاة ويخفيا ذلك، إلا أن يكون إماما يريد أن يتعلَّم منه فيجهر، حتى يعلم أنه قد تعلم منه ثم يسر، وحمل الحديث على هذا.

والذى أختاره، بعد عرض هذا الكلام المبنى على النصوص العامة والخاصة بالذكر بعد الصلاة، هو الإسرار بالذكر، لأنه أعون على الإخلاص، وفيه عدم تشويش على المصلين الآخرين، وذلك فى الأوساط الإسلامية العارفة بختام الصلاة، أما فى المجتمعات الإسلامية الحديثة العهد بالإسلام فإن الجهر يكون أفضل للتعليم، وذلك بصفة مؤقتة ثم يكون الإسرار بعد ذلك هو الأفضل.

وليس المراد بالسر أن يكون همسا لا يسمع الإنسان نفسه، ولكن المراد ألا يشوش به على غيره.

يقول المرحوم الشيخ محمد بخيت المطيعى مفتى الديار المصرية الأسبق: وختم الصلوات بالذكر والأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مندوب مرغب فيه شرعا ما دام الذكر والدعاء منها وسطا لا إلى إفراط بحيث يجهد نفسه ويزعج غيره، ولا إلى تفريط بحيث لا يسمع نفسه بل يكون كما قال الله تعالى {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا} الإسراء:

١١٠، انتهى.

وأما قوله تعالى {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} الأعراف:٥٥، فهو فى الدعاء وليس فى مطلق الذكر فإن الدعاء بالذات يفضَّل فيه الإسرار، لأنه أقرب إلى الإجابة، قال تعالى {إذ نادى ربه نداء خفيا} مريم: ٣، إلا بنا كان فى جماعة ليعلمهم أو ليكون الدعاء مطلوبا من الجميع فالجهر أفضل، كما فى صلاة الاستسقاء والقنوت، والاعتداء فى الدعاء فسر بأنه تجاوز المأمور به، أو اختراع دعوة لا أصل لها فى الشرع

<<  <  ج: ص:  >  >>