للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المنبر النبوى]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما هى أوصاف المنبر الذى كان يخطب عليه النبى صلى الله عليه وسلم وما عدد درجاته؟

الجواب

جاء فى الصحيح أن مسجد النبى صلى الله عليه وسلم كان مسقوفا على جذوع من نخل، وكان النبى إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صُنع له المنبر فكان عليه سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار، وللنسائى: اضطربت تلك السارية فحنت كحنين الناقة الخلوج، أى التى انترغ ولدها، ولأحمد وابن ماجه: فلما جاوز الجذع خار حتى تصدع وانشق، وفيه: فأخذ أبى بن كعب ذلك الجذع لما هدم المسجد، فلم يزل عنده حتى بلى وعاد رفاتا. وعند الدارمى: فأمر به صلى الله عليه وسلم أن يحفر له ويدفن. ولابن زبالة: تحت المنبر، وقيل عن يساره وقيل شرقيه، وقيل فى موضعه الذى كان فيه.

وجاء فى مسند الدارمى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب فطال القيام عليه استند فاتكأ على الجذع، فبصر به رجل ورد المدينة فقال: لو أعلم أن محمدا يحمدنى فى شىء يرفق به لصنعت له مجلسا يقوم عليه، فإن شاء جلس ما شاء، وإن شاء قام. فبلغ النبى صلى الله عليه وسلم فقال "ائتونى به " فأتوه فأمره أن يصنع له المراقى الثلاث أو الأربع، وهى الآن فى مسجد المدينة، فوجد النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك راحة.

وبعد أن ذكر السمهودى هذا الكلام فى كتابه خلاصة الوفا "ص ١٦٢ وما بعدها" قال فى "ص ١٦٤ ": وأشهر الأقوال أن الذى صنع المنبر "باقوم " الذى بنى الكعبة لقريش، وقيل غيره، وذكر بعض أهل السير أنه كان يخطب على منبر من طين، وأن الصحابة صنعوا له مقعدا من طين يجلس عليه ليعرفه الناس الوافدون إليه، وكان يخطب عليه، وكان ذلك فى أول الهجرة، وفى قصة الإفك عبارة "ورسول الله قائم على المنبر". وذكر ابن سعد أن المنبر كان سنة سبع وأن ابن النجار جزم أنه كان سنة ثمان، كما ذكر آراء فى أنه كان درجتين أو ثلاثة، يجلس الرسول على الثالثة ويضع رجله على الثانية، فلما ولى أبو بكر كان يجلس على الثانية ويضع رجله على الدرجة السفلى وجاء عمر فجلس على الأولى ووضع رجله على الأرض، ولما جاء عثمان فعل ذلك ست سنوات ثم علا إلى موضع النبى صلى الله عليه وسلم فلما ولى معاوية جعل للمنبر ست درجات زيادة على الثلاثة، ولما قدم المهدى الخليفة العباسى إلى المدينة استشار الإمام مالكا أن، يعيده إلى ما كان عليه أيام الرسول فلم يوافق.

وكان ذلك سنة ١٦٠ هـ، واحترق المسجد سنة ٦٥٤ هـ واشتركت مصر فى تعميره.

وفى عهد الملك الظاهر بيبرس البندقدارى كملت عمارة المسجد، ومن بعده الناصر قلاوون.

وأرسل الظاهر منبرا عدد درجاته تسع، كما أرسل من بعده منابر أخرى. " انظر الزرقانى على المواهب اللدنية ج ١ ص ٣٧١".

كما بنى أهل المدينة منبرا من الآجر والنورة بسبب حريق بالمسجد حتى سنة ٦٨٨ هـ فبنى الأشرف قايتباى منبرا من الرخام، وتوالى التغيير على مدى الأزمان، ولم يعد للمنبر النبوى ذى الدرجات الثلاث أثر، واستمر الناس يخطبون على المنابر الجديدة ولم ينكر عليهم أحد.

إن أصل اتخاذ المنبر كان لظهور الخطيب أمام الناس، وكلما ارتفع أمكن أن يسمع صوته بوضوح،وظهرت فى مصر وغيرها منابر عالية فى مساجد واسعة يجتمع فيها الآلاف الذين لا يكاد البعيد منهم عن المنبر يسمع من يتحدث، وكان يخطب عليها كبار الشيوخ والعلماء، ومنبر مسجد الأزهرنفسه له درجات كثيرة، وما سمعنا مثل الصيحة فى السنوات الأخيرة التى ترمى المنابر العالية بانها بدعة، وبالتالى ضلالة، مع أنه لم يرد نهى عنها وليست من العبادات التى يتقرب بها إلى الله.

وأرى أن رفع المنابر إذا كان لإبلاغ الصوت هو الوسيلة الوحيدة فى الماضى فإن مكبرات الصوت أغنت عن ذلك، وليس أثر المنبر فى السامعين وفى تبليغ الدعوة مرتبطا بعدد درجاته بقدر ارتباطه بصحة المعلومات والحكمة فى إيصالها للسامعين.

وإذا كان ارتفاع المنابر لإسماع الناس بدعة فلماذا لا يكون استعمال مكبر الصوت بدعة أيضا وهو لم يكن على عهد النبى صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح؟ أرجو أن نفهم الدين فهما صحيحا، وألا نتسرع بإصدار أحكام لا تخدم الدين بقدر ما تسىء إليه

<<  <  ج: ص:  >  >>