للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النظر أثناء الصلاة]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

إذا كان الإنسان فى الصلاة هل ينظر أمامه أم إلى موضع سجوده أم إلى مكان آخر؟

الجواب

تحدث القرطبى فى تفسيره لقوله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} ج ٢ ص ١٦٠ عن هذه المسألة فقال: فى هذه الآية حجة واضحة لما ذهب إليه مالك ومن وافقه فى أن المصلى حكمه أن ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده، وقال الثورى وأبو حنيفة والشافعى والحسن بن حَىٍّ: يستحب أن يكون نظره إلى موضع سجوده، وقال شريك القاضى: ينظر فى القيام إلى موضع السجود، وفى الركوع إلى موضع قدميه، وفى السجود إلى موضع أنفه، وفى القعود إلى حجره. قال ابن العربى: إنما ينظر أمامه، فإن حنى رأسه ذهب بعض القيام المفترض عليه فى الرأس وهو أشرف الأعضاء، وإن أقام رأسه وتكلف النظر ببصره إلى الأرض فتلك مشقة عظيمة وحرج، وما جعل علينا فى الدين من حرج، أما أن ذلك أفضل فهو لمن قدر عليه. انتهى.

جاء فى نيل الأوطار للشوكانى "ج ٢ ص ١٩٦ " أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس فى التشهد وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بالسبابة ولم يجاوز بصره إشارته، رواه أحمد والنسائى وأبو داود، وجاء فيه أيضا بعد حديث النهى عن رفع الأبصار إلى السماء أن ابن بطال قال: فيه حجة لمالك فى أن نظر المصلى يكون إلى جهة القبلة، وقال الشافعى والكوفيون: يستحب له أن ينظر إلى موضع سجوده لأنه أقرب إلى الخشوع. ويدل عليه ما رواه ابن ماجه بإسناد حسن عن أم سلمة بنت أبى أمية، زوج النبى صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: كان الناس فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام المصلى يصلى لم يَعْدُ بصر أحدهم موضع قدميه، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلى لم يعد موضع جبهته فتوفى أبو بكر فكان عمر فكان الناس إذا قام أحدهم يصلى لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة، فكان عثمان وكانت الفتنة فتلفت الناس يمينا وشمالا.

ثم قال عن هذا الحديث: فى إسناده موسى بن عبد الله بن أبى أمية لم يخرج له من أهل الكتب الستة غير ابن ماجه.

فالإجابة على السؤال ليس فيها دليل يعتمد عليه، وإنما هى اجتهادات وآ راء، ومن وجهة نظرى أقول: كل مصل حر فى نظره ولكن يختار ما يساعد على الخشوع فى الصلاة، مع العلم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن رفع البصرإلى السماء فقد روى مسلم والنسائى وأحمد أنه قال "لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم فى الصلاة أو لتُخطفن أبصارهم ".

ونفى عن النظر إلى ما هو يلهى ويشغل المصلى عن صلاته. فقد روى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها أنه صلى فى خميصة -كساء من خز أو صوف- لها أعلام، أى بها ألوان مخالفة، فقال "شغلتنى أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبى جهم -هو عامر ابن حذيفة- وأتونى بأنبجانيته " والأنبجانية كساء غليظ له وبر وليس له علم. وكان أبو جهم أهدى إلى الرسول الخميصة فطلب بدلها الأنبجانية.

وروى البخارى عن أنس قال: كان قِرام لعائشة -ستر رقيق- سترت به جانب بيتها فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم " أميطى قرامك، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لى فى صلاتى".

ومع العلم أيضا بأن تغميض العينين كرهه البعض وجوزه بعضهم بلا كراهة، لأن الحديث المروى فى الكراهة لم يصح.

قال ابن القيم: الصواب أن يقال: إن كان تفتيح العين لا يخل بالخشوع فهو أفضل وإن كان يحول بينه وبين الخشوع -لما فى قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوش عليه قلبه- فهناك لا يكره التغميض قطعا. والقول باستحبابه فى هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بكراهته.

///

<<  <  ج: ص:  >  >>