للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصلاة والسلوك]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

أى الشخصين أفضل، رجل لا يصلى ولكن أخلاقه وخدماته للناس كثيرة، أو رجل يصلى، ولكن معاملته مع الناس سيئة على الرغم من محافظته على الصلاة؟

الجواب

كلا الرجلين مخطئ، وتارك الصلاة معروف حكمه، إن تركها جحدا وإنكارا أو استهزاء فهو كافر، وأعماله الطيبة لا تنفعه فى الآخرة كما قال سبحانه {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان: ٢٣ وإن كانت خيراته عادت عليه بالخير فهو فى الدنيا فقط، وإن تركها كسلا وتهاونا فقد حكم بعض العلماء بكفره، وحكم بعضهم بفسقه، وإن مات على ذلك ولم يتب فأمره مفوض إلى ربه، وإن عذبه فى النار فمصيره الجنة.

وذلك كله بناء على حديث مسلم " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة ".

والذي يصلى ولا يستقيم سلوكه مؤمن عاص أضاع ثواب صلاته، وردَّها الله عليه لأنها لم تثمر طيبا فى أخلاقه، والله سبحانه يقول {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} العنكبوت: ٤٥ فالصلاة - كبقية العبادات - ليست علاقة خاصة بين العبد وربه، بل لابد أن ينعكس أثرها على السلوك الشخص والاجتماعى. وقد نعى الله على من يسهو عن الصلاة فيقصِّر فى أدائها، أو من يسهو عن معناها وحكمة مشروعيتها فلا يكون لها أثر فى حياته مع الناس، قال تعالى {فويل للمصلِّين. الذين هم عن صلاتهم ساهون. الذين هم يراءون. ويمنعون الماعون} الماعون: ٤ - ٧.

وقد أكدت الأحاديث هذا المعنى، فقد صح أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذى جيرانها بلسانها، قال " هى فى النار" رواه أحمد والبزار وابن حبان فى صحيحه والحاكم وصححه. وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله عز وجل: إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتى، ولم يستطل على خلقى، ولم يبت مصرًّا على معصيتى، وقطع النهار فى ذكرى، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب. ذلك نوره كنور الشمس، أكلؤه بعزتى، وأستحفظه ملائكتى، أجعل له فى الظلمة نورا، وفى الجهالة حلما، ومثله فى خلقى كمثل الفردوس فى الجنة " رواه البزار من رواية عبد الله بن واقد الحرانى، وبقية رواته ثقات.

ومن هنا نحلم أهمية الصلاة فهى أهم أركان الإِسلام وأفضلها، والحديث يقول: " لا دين لمن لا صلاة له، إنما موضع الصلاة من الدين موضع الرأس من الجسد" رواه الطبرانى، ولم يتسامح فيها الرسول عليه الصلاة والسلام كما تسامح فى غيرها من التكاليف لمن أراد الدخول فى الإِسلام. فعندما جاء وفد ثقيف اشترطوا عليه ألا يخرجوا للجهاد، ولا تؤخذ منهم صدقة، ولا يجتمعوا للصلاة، ولا يولى عليهم أحد من غيرهم، فأجابهم إلى طلبهم مبدئيا ما عدا الصلاة حيث قال أخيرا " ولا خير فى دين لا ركوع فيه " رواه أحمد، ولما كان للصلاة أثرها القوى فى تثبيت الإِيمان فى القلوب وفى تقويم السلوك قال النبى صلى الله عليه وسلم فى شأن هؤلاء الذين رضوا بالصلاة " إنهم سيصَّدقون ويجاهدون " أى أن الصلاة ستحملهم على عمل الخير الذى كانوا قد رغبوا عنه، وقد كان.

وبهذا يكون التارك للصلاة أو المتهاون فيها، والمستغنى عنها بعمل البر- مغرورا مخدوعا، وكذلك الذى يؤدى الصلاة شكليا دون إحساس بروحها، غير خاشع فيها ولا فاهم لمعناها ولا لهدفها، هو مغرور بظاهره، يخدع الناس برؤيتهم له محافظًا على الصلاة حتى يثقوا فيه، مع أنه لو طلبت منه معونة منع إعطاءها، لأن قلبه القاسى لم يتأثر بوقوفه أمام الله، فهو يناديه ويدعوه وهو غافل شارد الذهن، محروم من اللذة التى قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم " وجعلت قرة عينى فى الصلاة " رواه النسائى والطبرانى والحاكم وصححه، وقال الحافظ: إسناده جيد. ولحلاوتها وأثرها فى نفسه كان إذا حزَبه أو حزنه أمر فزع إلى الصلاة.

وبعد، فإن العبادات فُرضت لتقوية العلاقة بين الإِنسان وربه، وبينه وبين نفسه، وبينه وبين الناس، فإن لم تثمر هذه العلاقات لم يكن لها عند الله وزن.

وفى تقديرى أن من يصلى-على الرغم من سوء معاملته - أقل خطرا ممن لا يصلى -على الرغم من حسن معاملته- فالأول مع الله ولو بسبب مَّا فعسى أن يتوب عليه والثانى منقطع عن الله فهل يصل نفسه به؟ "راجع قول ابن عطاء الله فى شرود الذهن فى الصلاة- المجلد الأول ص ٧٢"

<<  <  ج: ص:  >  >>