للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تابع الابتهالات]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

تذاع بعد قراءة القرآن وقبل أذان الفجر بعض الابتهالات الدينية، وبخاصة فى شهر رمضان. فهل هذا تقليد أو له أصل شرعى؟

الجواب

لم تكن هذه الابتهالات موجودة فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد السلف الصالح، بل هى أمر مستحدث، والعلماء فيه فريقان، بعضهم قال بمنعها لأنها بدعة فى الدين والحديث يقول " من أحدث فى أمرنا ما ليس منه فهو رد" رواه البخارى ومسلم،، وبعضهم قال بعدم منعها، لأن كل أمر مستحدث لا يحكم عليه بالرد. فمن المستحدثات المفيدة غير الضارة ما قبله الصحابة، كاجتماع المسلمين على إمام واحد فى صلاة التراويح فى المسجد وقال عمر: نعمت البدعة هذه وجاء فى كتاب الفقة على المذاهب الأربعة الذى نشرته الأوقاف المصرية (ص ٢٣٨) أن التسابيح والاستغاثات قبل الأذان بالليل ونحو ذلك بدع مستحسنة. لأنه لم يرد فى السنة ما يمنعها، وعموم النص يقتضيها. انتهى.

وهى على كل حال دعاء فى وقت السحر، والله يقول عن المتقين {وبالأسحار هم يستغفرون} الذاريات: ١٨، وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم " ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول عز وجل: من يدعونى فأستجيب له؟ من يسألنى فأعطيه؟ من يستغفرنى فأغفر له؟ ".

هذا هو رأى الجمهور، وعند الحنابلة هى بدعة سئية، قال فى " الإقناع " وشرحه من كتب الحنابلة: وما سوى التأذين قبل الفجر من التسبيح والنشيد ورفع الصوت بالدعاء ونحو ذلك فى المآذن فليس بمسنون. وما من أحد من العلماء قال: إنه مستحب -لعله يقصد علماء الحنابلة-بل هو من جملة البدع المكروهة، لأنه لم يكن فى عهده صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد أصحابه، وليس له أصل فيما كان على عهدهم يرد إليه، فليس لأحد أن يأمر به ولا ينكر على من تركه.

وجاء فى كتاب " تلبيس إبليس " لابن الجوزى قوله: ولقد رأيت من يقوم بليل كثير- أى جزء كبير من الليل -على المنارة فيعظ ويذكِّر ويقرأ سورة من القرآن بصوت مرتفع فيمنع الناس من نومهم، ويخلط على المتهجدين قراءتهم وكل ذلك من المنكرات.

وقد ذكر المقريزى فى خططه "ج ٤ ص ٤٣ " وما بعدها أن التسبيح ليلا على المآذن لم يكن من فعل السلف، وأول ما عرف ذلك كان فى أيام موسى عليه السلام، وهم فى التيه بعد غرق فرعون. ثم ذكر تطوره وما يصحبه من نشيد وآلات حتى نهاية عهد بنى إسرائيل فى القدس.

وذكر أن أصله فى مصر بدأ من أول عهد الفتح الإسلامى فى ولاية مسلمة بن مخلد، وإشارة شرحبيل بأن يبدأ الأذان من منتصف الليل إلى قرب الفجر، حتى لا يضرب بالنواقيس فى الكنائس فى هذه الفترة، وذكر أن الطولونببن رتبوا المكبِّرين والمسبحين ليلا. ومن ذلك اتخذ الناس عادة التسبيح على المآذن قبل الفجر.

فالخلاصة أن الابتهالات قبل الفجر لا يوجد ما يمنعها شرعًا عند جمهور العلماء، فهى وإن كانت تقليدًا موروثًا لم يكن فى عهد السلف الصالح -هى من البدع المستحسنة وإذا كان بعض الناس يسيئون استعمالها عن طريق إذاعتها بمكبرات الصوت التى تزعج بعض ذوى الأعذار فإن ذلك لا يمنع أصل إباحتها، وذلك بإنصات المستمعين إليها فى المساجد بخشوع محافظة على حرمة المسجد، ويمنع إيذاء ذوى الأعذار من جراء إذاعتها بمبكرات الصوت

<<  <  ج: ص:  >  >>