للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التوفير فى بنوك أجنبية]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

نحن نوفر جزا من راتبنا بالدولار فى بنك أجنبي ولا نقصد بذلك إلا حفظ رواتبنا من التآكل لكن البنك يعمل لدى البنوك الأوروبية والأمريكية بالمبالغ التى نوفرها وبغيرها، وفى نظير ذلك يعطينا أرباحا بنسبة غير محددة، فهل هذه الأرباح حلال أم حرام؟

الجواب

إن هذه المعاملة تدور بين الوديعة والقرض والقراض، وبيان ذلك.

ا -إذا كانت وديعة فلا يجوز للمودَع عنده التصرف فيها إلا بإذن المودع، لأنها مضمونة ترد بذاتها أو ببدلها إن تلفت، سواء أكان هذا البدل عينا أم قيمة، وحيث إن المودع عنده وهو البنك قد تصرف فيها فتكون أرباحها والناتج منها ملكا لصاحبها المودع وللبنك أجر هذا الاستثمار، وهذا إذا كان الاستثمار حلالا، إلا إذا أذن المودع، للبنك فى استثمارها فيكون الناتج ملكا للبنك. .

لكن قال العلماء: إن وديعة النقود لا تضمن بذاتها وعينها، بل يجوز أن ترد إلى صاحبها نقودا أخرى مساوية لها فى قيمتها، وتعتبر حينئذ قرضا حيث أذن للمقترض أن يتصرف فيها كما يشاء، وعليه فلا يستحق صاحب الوديعة "القرض " أكثر منها، وقد قررت بعض القوانين المدنية أن الوديعة المأذون فى التصرف فيها تعتبر قرضا، كالقانون المدنى المصرى حيث جاء فى المادة ٧٢٦ منه: إذا كانت الوديعة مبلغا من النقود أو أى شيء آخر مما يهلك بالاستعمال وكان المودع عنده مأذونا فى استعماله اعتبر العقد قرضا.

٢ - وإذا كانت هذه النقود المودعة فى البنك للحفظ أخذت صفة القرض، وأعطى البنك عليها أرباحا فينظر إلى القاعدة المعروفة "كل قرض جر نفعا فهو ربا" والعلماء فيها فريقان:

ا - فريق قال: يكون القرض الذى جرَّ نفعا من باب الربا إن كان النفع مشروطا فى العقد، أما إذا لم يكن مشروطا فإن النفع يكون من باب الهدية يجوز قبوله كما رد الرسول قرض اليهودى بأكثر منه.

ثم قال هذا الفريق: العرف ينزل منزلة الشرط، يعنى إذا كان معروفا أن هذا القرض سيجر نفعا حتى لو لم يكن مشروطا فى صلب العقد، فهو من باب الربا، لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا.

وأصحاب السؤال يقولون: إننا لا نريد أرباحا، فإذا كانوا قد وقَّعوا عند الإيداع على رفض الأرباح، ويكون ما يعطيهم البنك لهم من باب الهدية فيجوز قبولها، أما إذا لم يوقِّعوا على رفض الأرباح، أو وقعوا وكانوا يعلمون أن البنك لابد أن يعطيهم، سواء رضوا أم أبوا - لأن القانون يقرر ذلك -كانت الأرباح التى تعطى لهم من قبيل الربا.

ب -وفريق من العلماء قال: إن أى نفع من القرض يكون ربا، سواء شرط ذلك أو لم يشرط، وسواء عرف أو لم يعرف.

وعلى هذا فما هو موقف المودعين من هذه الأرباح إن كانت ربا، هل يتركونها للبنك أو يأخذونها؟ رأيان، ولكن الأوفق هو أخذها وعدم تركها للبنك، على أن يوجهوها للمنفعة العامة، كمال حرام كان يجب رده إلى أصحابه الذين أخذها البنك منهم، ونظرا لتعذر ذلك يصرف المال للمنفعة العامة، ولا ينتفع به من أخذه فى مصالحه الشخصية.

٣-أما أن يعتبر هذا المال المودَع فى البنك من باب القراض والمضاربة فممنوع لأن الشرط فى صحة المضاربة الاتفاق بين الطرفين على تقسيم الربح ومعرفة نسبة التقسيم، وألا يشترط ضمان رأس المال إلا بالتعدى، وذلك غير موجود فى الصورة التى فى السؤال، وعليه فلا حق للمودعين فى الأرباح التى يعطيها لهم البنك وبخاصة أن استثمار المال كان بطريق غير مشروع وهو الإقراض للبنوك الأجنبية بنسبة معينه.

فالخلاصة أن المعاملة المذكورة فى السؤال من باب القرض الذى جر نفعا، سواء أكان مشروطا أم غير مشروط لكنه معروف عرفا، فالأرباح ربا تصرف فى المنافع العامة

<<  <  ج: ص:  >  >>