للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التداوى بالمحرم]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم أذن لبعض المرضى أن يشربوا أبوال الإبل، وإذا صح فكيف يتفق ذلك مع قوله: لم يجعل اللَّه شفاء أمتى فيما حرم عليها؟

الجواب

روى البخارى ومسلم أن ناسا من قبيلة عُكْل أو عُريْنَة قدموا المدينة فمرضوا لعدم ملاءمة جوها لهم، فوصف لهم النبى صلى الله عليه وسلم " أن يخرجوا منها إلى المراعى وأن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، ففعلوا فصحت أجسادهم ". وروى مسلم عن طارق بن سويد الحضرمى أنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم "إن بأرضنا أعنابا نعتصرها فنشرب منها فقال " لا " فراجعه وقال: إنا نستشفى للمريض، فقال " إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء". وروى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال " إن الله لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها " وروى ابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى أم سلمة تَغلِى نبيذا لتداوى به ابنتها فقال " إن اللَّه تعالى لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها ". وروى الترمذى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يا عباد الله تداووا، فان الله لم يضع داء إلا وضع له دواء " وفى رواية لأبى داود " فتداووا ولا تتداووا بالمحرم ".

وروى أيضا النهى عن الدواء الخبيث، والخمر أم الخبائث.

إزاء هذه النصوص تحدث العلماء عن التداوي بالمحرم، وبخصوص الخمر اتفق العلماء على أنه لا يجوز شربها إلا للضرورة القصوى كإنقاذ حياته من الموت لشدة العطش، أو من لقمة غُصَّ بها فى حلقه، ولا يجد شيئا حلالا أو أخف حرمة يرويه أو يمنع الغصة، وذلك قياسا على ما نص عليه من تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها ثم قال تعالى فى الآية نفسها {فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم} المائدة: ٣، وهى الأصل الذى أخذت منه القاعدة المعروفة: الضرورات تبيح المحظورات. أما استعمال الخمر فى غير ذلك فالجمهور على منعه حتى لو تعينت الخمر ولا يوجد غيرها من الحلال، بناء على ظاهر الأحاديث التى نصت على حرمتها مطلقا، ولا يقاس التداوى بها على شربها للعطش أو الغصة، لأن فائدتها فيهما محققة، أما فى غيرهما فمظنونة غير مقطوع بها، وأجاز بعضهم التداوى بها عند الضرورة قياسا على أكل الميتة والدم ولحم الخنزير بشرط أن يخبر بذلك طبيب مسلم عدل، وألا يوجد دواء حلال أو شىء أخف حرمة يقوم مقام الخمر، سئل ابن تيمية عن التداوى بالخمر فقالع ما نصه: وأما التداوى بالخمر فإنه حرام عند جماهير الأئمة، كمالك وأحمد وأبى حنيفة، وهو أحد الوجهين فى مذهب الشافعى. انتهى.

ولو خلطت الخمر بالماء أو أضيف المخدر إلى مادة أخرى فالتناول والتداوى حرام، أما العقوبة بالحد فتكون إذا غلب المخدر أو تساوى مع ما أضيف إليه، فإن كان أقل فلا يعاقب بالحد إلا عند السكر " مجلة الأزهر- المجلد الثالث ص ٠ ٤٩، ٩١ ٤ ". أما التداوى بالنجس غير الخمر، وتناول النجس حرام، فقد قال العلماء: إنه لا يجوز إلا عند الضرورة، أما عند الاختيار وتوافر الدواء الحلال فلا يجوز. والحديث الذى ذكر أن الخمر ليست دواء ولكنها داء، وأن اللَّه لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها هو خاص بالخمر، أما المحرمات الأخرى فيجوز أن يكون فيها الشفاء ويمكن التداوى بها عند الضرورة، فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم " إن فى أبوال الإبل شفاء للذَّرِبَة بطونهم " أى الفاسدة معدتهم، ولعل ذلك لما ترعاه من الشيح والقيصوم ونباتات البادية التى تعالج بها بعض الأمراض، ومع ذلك لا يعالج بها إلا عند الضرورة، كما رخص الرسول صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام بلبس الحرير لوجود حِكَّة فى جسده. وكل هذا الخلاف في التداوى بالبول بناء على القول بنجاسته، وهو ما ذهب إليه الشافعى وغيره من القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها، سواء أكانت من مأكول اللحم أم من غيره، محتجين بعموم الحديث الصحيح الذى أخبر عن عذاب الميت لأنه كان لا يستبرئ من بوله، ووضع الرسول على قبره جريدة لعل اللَّه يخفف بها من عذابه. لكن ذهب فريق من العلماء إلى أن أبوال الإبل وغيرها من مأكول اللحم طاهرة، وهو قول مالك وأحمد وطائفة من السلف، محتجين بهذا الحديث، وهو عام ليس خاصا بالقوم الدين مرضوا فى المدينة، لعدم الدليل على الخصوصية. وأرى أن التداوى بالخمر ممنوع فليس فيها شفاء، والحلال متوفر، أما المحرمات الأخرى فلا مانع من التداوى بها إذا لم يوجد الحلال أو ما هو أخف حرمة

<<  <  ج: ص:  >  >>