للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حد عمر لابنه]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

هل ضرب عمر ابنه بسبب الخمر حتى مات؟

الجواب

هذه الحكاية تتردد كثيرا على ألسنة المتحدثين عن عدالة عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وعدم محاباته فى تطبيق الشريعة، وسيدنا عمر- وإن كان معروفا أنه يمثل العدالة فى أسمى معانيها أو يكاد، إلا أنه وكذلك كثير من المشهورين فى التاريخ - قد نسبت إليه أمور لم يصح سندها، يحكيها الناس توكيدا لعدله.

ونشرت فى مجلة إسلامية فتوى حول هذا الموضوع جاء فيها: إن أبا الفرج عبد الرحمن بن الجوز ذكر فى كتابه " سيرة عمر بن الخطاب " أن عبد الرحمن بن عمر ومعه أبو الروعة عقبة بن الحارث، وهو من أهل بدر، كانا فى مصر وشربا نبيذا، وظنا أنه لا يسكر، فسكرا، وكان يكفيهما الإحساس بخطئهما والتوبة إلى اللَّه، غير أنهما غضبا للَّه على أنفسهما، فذهبا إلى عمرو بن العاصى وهو والى مصر، وطلبا منه إقامة الحد عليهما. وقد كان عبد الله بن عمر سمع أن أخله شرب، ثم علم أنه رفع أمره إلى عمرو بن العاصى، فذهب معه وشهد إقامة الحد عليهما فى دار عمرو. ثم سمع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إلى عمرو خطابا شديد اللهجة، يذكر فيه محاباته لابنه، حيث لم يقم الحد عليه فى مكان عام مكشوف، كما يقام على غيره من عامة الناس، وطلب منه أن يرسله إليه بالمدينة فى ثوب خشن،١٧١٧ أوعلى مركب خشن فلما حضر مع أخيه عبد الله وسأله عمر عما حدث: أقر واعترف فغضب منه وضربه وعبد الرحمن يستغيث وهو لا يرحمه، ثم حبسه بعد أن انتهى من ضربه، ثم مرض عبد الرحمن ومات. وأخرج الديلمى فى كتابه " المنتقى " كما حكاه صاحب " الرياض النضرة " أن حادثة الحد كانت عن زنى عبد الرحمن بجارية فى حائط - بستان - بنى النجار، وكان سكران من خمر شربه عند يهودى اسمه "نسيك " كما نقله الشبلنجى فى كتابه " نور البصائر والأبصار ". والكتب الصحيحة لم تشر إلى هذه الحادثة، وقد قال ابن الجوزى فى كتابه: إن عمر لم يقم الحد على ابنه، فإن ضربه ليس حدا، بل غضبا وتأديبا، لأن الحد لا يتكرر، ثم يقول: وقد أخذ هذا الحديث قوم من القصاص فبدأوا فيه وأعادوا، فتارة يجعلون هذا مضروبا على شرب الخمر، وتارة على الزنى ويذكرون كلاما ملفقا يبكى العوام لا يجوز أن يصدر عن مثل عمر، وقد ذكرت الحديث بطرقه فى كتاب "الموضوعات " ونزهت هذا الكتاب عنه " ص ١٦٧ ". وأرى أن مثل هذه الأمور التى تمس الشخصيات الكريمة ينبغى أن يحتاط فى الحديث عنها مهما كان الغرض من الحديث، وبخاصة الخلفاء الراشدون الذين أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهديهم

<<  <  ج: ص:  >  >>