للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نقل الأعضاء]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

هل يجوز نقل عضو من شخص إلى آخر؟

الجواب

اختلفت آراء الفقهاء ورجال القانون فى هذا الموضوع، وبعد استعراض أدلتهم وما جاء فى كتب الفقه نرى ما يأتى:

أولا: إذا كان المنقول منه ميتا، فإن كان قد أوصى أو أذن قبل وفاته بهذا النقل فلا مانع من ذلك حيث لا يوجد دليل يعتمد عليه فى التحريم وكرامة أجزاء الميت لا تمنع من انتفاع الحى بها، تقديما للأهم على المهم، والضرورات تبيح المحظورات كما هو مقرر.

وإن لم يوص أو لم يأذن قبل موته، فإن أذن أولياؤه جاز، وإن لم يأذنوا: قيل بالمنع وقيل بالجواز، ولا شك أن الضرورة فى إنقاذ الحى تبيح المحظور. وهذا النقل لا يصار إليه إلا للضرورة.

ثانيا: إذا كان المنقول منه حيا، فإن كان الجزء المنقول يفضى إلى موته مثل القلب كان النقل حراما مطلقا، أى سواء أذن فيه أم لم يأذن، لأنه إن أذن كان انتحارا، وإن لم يأذن كان قتلا لنفس بغير حق، وكلاهما محرم كما هو معروف.

وإن لم يكن الجزء المنقول مفضيا إلى موته، على معنى أنه يمكن أن يعيش بدونه فينظر: إن كان فيه تعطيل له عن واجب، أو إعانة على محرَّم كان حراما، وذلك كاليدين معا أو الرجلين معا، بحيث يعجز عن كسب عيشه أو يسلك سبلا غير مشروعة وفى هذه الحالة يستوى فى الحرمة الإذن وعدم الإذن.

وإن لم يكن فيه ذلك كنقل إحدى الكليتين أو العينين أو الأسنان أو بعض الدم، فإن كان النقل بغير إذنه حرم، ووجب فيه العوض، على ما هو مفصل فى كتب الفقه فى الجناية على النفس والأعضاء، وإن كان بإذنه قال جماعة بالتحريم، واحتج بعضهم عليه بكرامة الآدمى التى تتنافى مع انتفاع الغير بأجزائه، وبأن ما يقطع منه يجب دفنه.

يقول النووى فى حرمة وصل الشعر بشعر الآدمى: لأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمى وسائر أجزائه لكرامته، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه (المجموع ج ٣ ص ١٤٩، شرح مسلم ج ١٤ ص ١٠٣) . ويمكن الرد على ذلك بأن وصل الشعر بالشعر مختلف فى حرمته إذا كان لغير الغش والتدليس أو الفتنة. وبأن وجوب دفنه ليس عليه دليل صحيح. قال ابن حجر: وفى حديث جواز إبقاء الشعر وعدم وجوب دفنه (فتح البارى ج ١٢ ص ٤٩٧) ، وبأن الضرورات تبيح المحظورات.

واحتج بعض هؤلاء المحرمين أيضا بأن جسم الإنسان ليس ملكا له فلا يجوز التصرف فيه. وهذا كلام غير محرر، وليس عليه دليل مسلم فإن الذى لا يملكه الإنسان هو حياته وروحه، فلا يجوز الانتحار ولا إلقاء النفس فى التهلكة إلا للضرورة القصوى وهى الجهاد والدفاع عن النفس فقد أمر به الإسلام، أما الإنسان من حيث أجزاؤه المادية فهو مالكها، له أن يتصرف فيها بما لا يضره ضررا لا يحتمل، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار.

هذا هو ملخص الحكم فى الموضوع. على أن الحكم فى بقاء الجسم وعدمه بعد نقل العضو منه يرجع فيه إلى الثقات المختصين.

وعلى أن يكون هناك يقين أو ظن غالب بانتفاع المنقول إليه بهذه الأجزاء، وإلا كان النقل عبثا وإيلاما لغير حاجة، ونحن نعلم أن.

بعض الأجسام ترفض الأجزاء المنقولة إليها، ويحاول العلم أن يتغلب على هذا الرفض، بالمنع أو الحد منه.

وإذا كنا نختار جواز النقل للأعضاء فهل يجوز أن يؤخذ عوض للعضو المنقول؟ يرى جماعة عدم جوازه، محتجين بحرمة بيع الآدمى الحر، كله أو بعضه، لحديث " قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته: رجل أعطى بى ثم غدر، ورجل باع حرا وأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى ولم يوفه " (رواه البخارى وغيره) ويرى آخرون جواز أخذ العوض كثمن أو هبة، قياسا على بيع المرضع لبنها، ولعدم ورود دليل يحرمه، والحديث المذكور هو للنهى عن ضرب الرق على غير الرقيق والاتجار فيه بالبيع كما كان يحصل فى الجاهلية من خطف الأحرار وبيعهم. وهل لو كان المنقول منه عبدا وباع عضوا منه لآخر هل يأخذ سيده ثمنه بناء على أنه يملك رقبته؟ والحديث فى بيع الحر وليس فى بيع العبد، كما أن الذى يأكَل ثمن الحر هو من اعتبده وباعه وليس هو الحر نفسه الذى يأكل ثمنه، فالاستدلال بالحديث المذكور غير مسلم.

ومهما يكن من شىء فإن الأفضل عدم المساومة على العضو المنقول، فإن إنقاذ حياة المحتاج إليه لا يعدله أى عوض، لكن لا مانع من قبول الهدية التى تعطى بسخاء نفس دون شروط سابق (الإسلام ومشاكل الحياة ص ٢١)

<<  <  ج: ص:  >  >>