للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[موقف الإسلام من السياحة]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما هو موقف الإسلام من السياحة كمورد هام للدخل القومى؟

الجواب

السياحة وهى الانتقال من مكان إلى مكان آخر لمشاهدة ما فيه من آثار أو للتنزه والتمتع بما فيه من مناظر أو مظاهر- أمر لا يمنعه - الدين فى حد ذاته، بل يأمر به إذا كان الغرض شريفا، فقد أمرت الآيات الكثيرة بالسير فى الأرض للاعتبار بما حدث للسابقين {أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمِّر الله عليهم وللكافرين أمثالها} محمد: ١٥، {قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين} النمل: ٦٩.

والحج نفسه سياحة دينية وعبادة مفروضة، وشد الرحال إلى المسجد الحرام بمكة، وإلى المسجد النبوى بالمدينة، وإلى المسجد الأقصى بالشام مرغوب فيه كما جاء فى الحديث الصحيح، وذلك للعبادة وزيادة الأجر، والأمر بزيارة الإخوان والرحلة لطلب العلم وللتجارة كل ذلك سياحة مشروعة، ونسب إلى الإمام الشافعى- ورحلته فى طلب العلم معروفة-دعوته إلى السفر لأن فيه خمس فوائد هي:

تفرج واكتساب معيشة * وعلم وآداب وصحبة ماجد ورحلات الصحابة والتابعين والسلف الصالح للجهاد والتجارة والأغراض العلمية معروفة، وكذلك أخبار الرحالة المسلمين كابن بطوطة وابن جبير لها كتب مدون فيها علم كثير، ولا شك أن البلاد التى يرد إليها السائحون تكسب كثيرا من الناحية المادية والناحية الأدبية، وتحرص كثيرا على أن يفد إليها السائحون، وإذا كان الواقع يشهد بذلك فقد أشار إليه قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم {ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} إبراهيم: ٣٧٠.

فأمره الله بأن يؤذن فى الناس بالحج، فأذن وأتوه من كل فج عميق، وعمر المكان وازدهر وسيظل كذلك إلى يوم الدين. وهذا الكسب يكون حلالا إذا لم يكن فيه ضرر سواء أكان هذا الضرر من السائحين أو من الجهة التى يزورونها، وسواء أكان الضرر ماديا أم أدبيا، فقد يكون بعضهم جواسيس أو أصحاب فكر أو سلوك شاذ يريدون نشره، وهنا يجب منع الضرر، فمن القواعد التشريعية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. ومن تطبيقات هذه القاعدة قديما، إعلان أبى بكر رضى الله عنه وكان أميرا للحج فى السنة التاسعة من الهجرة ألا يحج بعد العام مشرك، وقد كان العرب يحرصون على الحج من أجل التجارة والمكاسب المادية وكان أهل مكة يستفيدون من ذلك كثيرا ويقومون بتسهيلات كثيرة للحجاج، وأنشئوا خدمات ثابتة من أجل ذلك كالسقاية والرفادة كانوا يتنافسون فيها ويتوارثونها فحرم الإسلام على أهل مكة تمكين المشركين من الحج على الرغم من ضياع الكسب المادى أو الرواج التجارى أو الانتعاش الاقتصادى الذى كانوا يفيدون منه وذكر أن الله سيعوضهم خيرا مما فاتهم بسبب هذا الخطر، وجاء فى ذلك قول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء الله إن الله عليم حكيم} التوبة: ٢٨.

قال المفسرون: لما منع المسلمون الكافرين من الموسم وكانوا يجلبون الأطعمة والتجارات قذف الشيطان فى قلوبهم. الخوف من الفقر وقالوا: من أين نعيش؟ فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله. قال عكرمة:

أغناهم الله بإدرار المطر والنبات وخصب الأرض، فأخصبت بتَالة وجُرَش -بلدان باليمن فيهما خصب -وحملوا إلى مكة الطعام وكثر الخير وأسلمت العرب، أهل نجد وصنعاء، فكثر حجهم وازدادت تجارتهم وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأمم.

والواجب أن توضع قوانين لتنظيم السياحة منعا لما يكون فيها من ضرر، وأملا فى زيادة ما يكون وراءها من خير

<<  <  ج: ص:  >  >>