للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تأمين الفكر الإسلامى]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما المراد بالفكر الإسلامى، وما هى وسائل تأمينه؟

الجواب

الفكر قد يراد به المعنى المصدرى وهو حركة العقل أى التفكير، وقد يراد به المعنى الحاصل بالمصدر، وهو القضايا الناتجة عن هذه الحركة وغيرها، ويجب أن نعلم أن فى الإسلام قضايا لا يصلح أن يطلق عليها اسم الفكر الإسلامى، وهى القضايا التى مصدرها الوحى بدءا أو نهاية، كاجتهاد الرسول الذى أقره الوحي الإلهى، وذلك كالعقائد وما عرف من الدين بالضرورة. وفيه قضايا هى نتاج العقل والنظر، سواء فى الأصول والفروع، كحكم مرتكب الكبيرة هل هو مؤمن أو كافر أو فى منزلة بينهما؟ وكالقدر الواجب مسحه من الرأس فى الوضوء، وغير ذلك مما فى كتب الكلام والفقه.

وتأمين القضايا الأولى يكون بتعلمها والتسليم بها، والنقاش حولها لا يكون بنقضها ولكن بدعمها وبيان حكمتها، مع التسليم بأن الجهل بالحكمة لا يغير الحكم، كالشأن فى الآيات المتشابهات إما أن يسلم بها كما هى، وإما أن تؤول على ضوء الآيات المحكمات.

أما القضايا الاجتهادية فتأمينها فى نظرى يكون بمدارستها واختيار أوفقها لروح الشريعة ولمسايرة العصر فيما ثبتت فائدته تحقيقا لحكمة التشريع فى رعاية المصلحة، مع بيان فضل هذا النتاج الفكرى وما ثبت من أصول على نتاج الأفكار والشرائع الأخرى.

وإذا أريد بالفكر الإسلامى حركة العقل أو منهج البحث فهناك تكون الخطورة، لأن السلوك وليد الفكر كما أثبته العلم -وسبق به الرسول فى قوله "ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب " رواه البخارى ومسلم. وتأمين هذا الفكر أو هذا التفكير فى الإسلام له مجالان، مجال وقائى ومجال علاجى.

ففى المجال الوقائى أضع هذه الوسائل باختصار:

ا - ترك النص الواضح جانبا والنظر فى غيره، فالحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، وهذه هى محل التفكير لبيان ما هو خير منها.

٢ -عدم التقليد الأعمى فى العقائد والأفكار والسلوك لغير المعصوم، وكم فى القرآن من آيات تنص عليه. منها قوله تعالى {وكذلك ما أرسلنا من قبلك فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون. قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم} الزخرف: ٢٣، ٢٤، وقوله {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا} الأحزاب: ٦٧.

٣-طلب الدليل والبرهان لكل ما يؤخذ من قضايا، وفى القرآن قوله تعالى {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} النمل: ٦٤، وقوله {قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا} الأنعام: ١٤٨.

٤ - كون المقدمات التى يستدل بها يقينية فى العقائد بالذات لأنها هى التى توجه السلوك، قال تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم} الإسراء: ٣٦، وقال {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا} النجم: ٢٨، وقال {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة} الحجرات: ٦.

٥ -عدم التعصب للرأى الاجتهادى فهو محتمل للخطأ، لأنه قد يتأثر بالهوى أو بمؤثرات أخرى، وأقوال الأئمة المجتهدين فى ذلك معروفة "إذا صح الحديث فهو مذهبى واضربوا بقولى عرض الحائط " "رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب "وقال الإمام الشافعى.

كلما أدبنى الدهر أرانى نقص عقلى * وإذا ما زدت علما زادنى علماً بجهلى ٦ - محاولة أن يكون الاجتهاد جماعيا وهو المعروف بالشورى تضييقا لشقة الخلاف، وتنويرا للأذهان ومساعدة لها على الوصول إلى الحق أو القرب منه.

٧-طلب العلم على المختصين، والقضاء على فكرة الحواجز التى يحاول المنحرفون أن يضعوها بين الشباب، وبين رجال العلم، والله يقول {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} النحل: ٤٣.

٨-وضع حد للفتاوى التى تصدر من غير ذوى الاختصاص، فمن قال فى القرآن برأيه ضل وفى الحديث المتفق عليه "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فأفتوهم بغير علم فضلوا وأضلوا" وأحب أن أقول هنا: إن الإسلام ليس فيه كهنوت أو عصمة جماعة عن الخطأ ينزل قولهم منزلة الوحى، ولكن فيه اختصاصا بالعلم والمعرفة، شأن كل علم فى أى قطاع لابد أن يؤخذ عن أهله، وباب العلم مفتوح لكل راغب، لكن الفتوى هى لمن بلغوا درجة منه تؤهلهم لها.

٩ -الاهتمام بتحصين كل مسلم وبخاصة فى مراحل التعليم الأولى، وذلك بالعناية بالتعليم الدينى على وجه يجعل الشاب بالذات حذرا متيقظا ناقدا كل فكر طارئ، وبدون هذه الحصانة سيكون الانحراف والانجراف أمام التيارات العنيفة المحلية والخارجية

<<  <  ج: ص:  >  >>