للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[العدسات اللاصقة]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما حكم الإسلام فى العدسات اللاصقة الملونة التى يقصد بها الزينة؟

الجواب

أول ما سمعنا عن العدسات اللاصقة أنها بدل العدسات الموجودة فى المنظار (النظارة) يستغنى بها عن الإطارات (الشنابر) التى تؤثر على بعض مواضع فى الوجه، وقد تقع أو تضيع فتكون الحيرة عند من يعتادها.

وفى أول استعمال العدسات اللاصقة كانت تحتاج إلى إجراءات فى تركيبها وقد تحدث مضايقات للعين كجسم غريب ليس من جنسها، وحاول المختصون تسهيل هذه الإجراءات والتقليل من المضايقات وكان استعمالها أولا لإصلاح النظر الطويل أو القصير، ولم يعلق عليها الناس بمدح ولا ذم كما لا يعلقون على (النظارة العادية) .

ولكن جاء التعليق عليها عندما روعى فيها ناحية الجمال فاختيرت لها ألوان لتبدو العين فى شكل جذاب يلفت النظر ويزيد من عدد المعجبين بالعيون الخضراء التى لا يفرق الناظر إليها بين ما هو طبيعى وبين ما هو صناعى، فما هو موقف الدين من الإقبال على هذه العدسات اللاصقة ذات الألوان الجذابة؟ أعتقد أن الجنس الخشن إذا استعمل العدسات اللاصقة إنما يستعملها لإصلاح نظره، وهو استعمال طبى يعالج به -كما قلت - قصر النظر أو طوله، وهذا أمر مستساغ ومشروع، مثله مثل (النظارة العادية) وكذلك الجنس الثانى إذا استعملها طبيا فلا غبار عليها شرعا وعرفا.

لكن إذا استعملت للزينة ولفت الأنظار، فإن لهذا القصد دخلا فى تكييف الحكم عليها، مثلها مثل النظارات العادية قد تختار لها (شنابر) غالية وترصع ببعض الفصوص البراقة مع سلك ذهبى أو من معدن ثمين، وقد يكون أكثر من ذلك مما يَتفَنَّنُ فيه ذوو الخبرة الفاهمون لطبيعة الإنسان فى علاقته بالمجتمع.

فإذا كان القصد مباهاة وفخرا، أو جذبا لأنظار الجنس الآخر كان ذلك ممنوعا شرعا دون خلاف فى ذلك، والعدسات اللاصقة التى يختار لها اللون الأخضر تحرص عليها الفتيات بالذات، وهنا يدخل عامل النية والقصد فى الحكم، فإن كانت النية الفتنة والإغراء، أو كانت النية التدليس والتغرير فلا شك فى حرمتها، مثلها فى ذلك الأصباغ التى تلون بها وجهها والأهداب الصناعية والأظافر الملونة والعطور النفاذة وما يماثل ذلك.

والإسلام قد نهى عن التدليس والتغرير الذى يخفى الحقيقة ويخدع الناظر. ففى الحديث " من غشَّنا فليس منا " ونهى المرأة بالذات عن أن تبدى مفاتنها بأية صورة من الصور، وذلك لغير زوجها، مع التحفظ فيها لأقاربها ومحارمها، كما نهاها عن الخضوع بالقول الذى يوقظ الغرائز ويلهب المشاعر {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض} الأحزاب: ٣٢، ونهاها عن التعطر ليعجب بها من تمر عليهم، والحديث يقول فى ذلك "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهى زانية" رواه أبو داود والترمذى وقال الترمذى: حسن صحيح وانظروا إلى كلمة "ليجدوا ريحها" لنعرف أن مناط الحكم فى التعطر أمام الأجانب هو قصد الإعجاب بها بشد أنوفهم إليها وبالتالى شد ما تريده من سوء، والقرآن الكريم قد ذكر المنطلق الذى تحرم به كل المغريات وهو قصد إبراز ما خفى من زينتها إلى جانب ما ظهر منها، فقال: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} النور: ٣١.

يتلخص من كل ذلك أن الإسلام يريد أن ينظم العلاقة بين الجنسين، ويجعلها فى حَيَزٍ ينتج الخير والمصلحة للطرفين، فالغريزة الجنسية من أقوى الغرائز-إن لم تكن أقواها - تأثيرا على سلوك الإنسان، والعدسات اللاصقة الملونة ومثلها كل زينة فى النظارات العادية أو فى غيرها، إن أريد بها العلاج فقط فلا ضرر فيها، وإن أريد بها الإغراء والفتنة أو التدليس والتغرير فهى محرمة، وإذا كانت المرأة تحرص عليها حرصها على كل زينة لافتة للنظر فإن الرجل لا يليق به أن يهبط إلى هذا المستوى، فالله قد لعن تشبه أحد الجنسين فيما هو من خصائص الجنس الآخر، وأقول للجنسين: نحن الآن فى وضع اقتصادى واجتماعى يدعونا إلى الجد والانصراف إلى العمل المنتج ووضع كل شىء فى موضعه اللائق به، والضرورات الملحَّة تشجب إهمالها وتشجب الانصراف عنها إلى العبث والإغراق فى المتع والكماليَّات

<<  <  ج: ص:  >  >>