للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شبهات حول حد الردة]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

يقول بعض الناس إن حديث "من بدَّل دينه فاقتلوه" معارض للقرآن الذى لم يجعل للردة حدا فى الدنيا، بل جعل له عقوبة فى الآخرة، ولذلك لا يعمل بالحديث، وبخاصة أنه حديث آحاد والحدود لا تثبت إلا بالحديث المتواتر، كما أن هذا الحديث لو أخذ به يطبق على من بدَّل دينه من غير المسلمين، فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب

أجاب: هذا السؤال فيه ثلاث نقط:

١- أين معارضة الحديث للقرآن؟ الواقع أنه لا تعارض، لأن القرآن إذا قرر عقوبة أخروية على معصية فلا يمنع أن تكون هناك عقوبة دنيوية، فقد قرر عقوبة القتل العمد بمثل قوله {ومن يقتل مؤمنًا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} النساء:

٩٣ ومع ذلك قرر العقوبة فى الدنيا بالقصاص بمثل قوله: {يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} البقرة: ١٧٨ وكذلك حرم السرقة لأنها ظلم وعقابه شديد فى الآخرة، فقال فى الغلول وهو صورة من السرقة {ومن يغلل يأت بما غلَّ يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} آل عمران: ١٦١ ومع ذلك قرر العقوبة فى الدنيا بقطع اليد، قال تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} المائدة: ٣٨ وكذلك حرم الزنا فى آيات كثيرة وقرر له عقوبة فى الدنيا وهى الجلد مائة وحرم القذف للمحصنات المؤمنات الغافلات المؤمنات، وقرر له عقوبة فى الدنيا وهى الجلد ثمانين.. .

وعقوبة الآخرة هى لمن مات ولم يتب، ومن التوبة إقامة الحد على الرأى بأن الحدود جوابر، فهل القرآن يعارض بعضه بعضا؟ وإذا كان قد قرر عقوبة المرتد فى قوله {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} البقرة: ٢١٧ وكل العقوبات الأخروية لم تأت بصيغة الحصر فذلك لا يمنع من العقوبات الدنيوية.

٢ -هل حديث الآحاد لا تثبت به الحدود؟ هذا خطأ، لأن العقائد هى التى لا تثبت بحديث الآحاد عند بعض العلماء، حيث إنها لا تفيد العلم القطعى، وإن قال الشافعى بأنها تفيد العلم القطعى، أما الأحكام العملية وفروع الشريعة فيؤخذ فيها بحديث الآحاد إذا كان صحيحا بأقسامه الثلاثة، الغريب والعزيز والمشهور، وكذلك إذا كان الحديث حسنا، ومن ذلك حد الرجم للزانى المحصن. فقد ثبت بالحديث غير المتواتر وهو ما رواه البخارى ومسلم "لا يحل دم امرئ مسلم إلاَّ بإحدى ثلاث، الثيب الزانى والقاتل والتارك لدينه المفارق للجماعة" وما رواه مسلم "خذوا عنى خذوا عنى، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم".

وثبت فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر برجم امرأة زنى بها العسيف لما أقرت، وأمر برجم رجل أقر بالزنا بعد استيضاحه، وأكد رجم المحصن عمر، وأجمع عليه المسلمون.

وكذلك حد شرب الخمر ثبت بالحديث الذى رواه مسلم عن على:

جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين، وكلٌّ سنة، وهذا أحب إلى.

يؤخذ من هذا أن بعض الحدود ثبت بالسنة غير المتواترة كما فى شرب الخمر، وكما فى رجم الزانى المحصن، وإن كان البعض قد قال:

إن رجم المحصن حديثه متواتر.

٣-إن حد الردة ثابت على المسلم الذى ترك الإسلام، وهذا شرعنا، ولا شأن لنا بشرع نسخه الإسلام، وكل إنسان غير مسلم لو ترك دينه وأسلم لا يؤاخذ بما حدث منه قبل الإسلام كما قال تعالى {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} الأنفال: ٢٨ ولا شأن لنا بمن انتقل من دين غير الإسلام إلى دين آخر غيره، فالكفر كله ملة واحدة، فلا تلازم بين المسلم المرتد، وغير المسلم التارك لدينه، وقياسه عليه قياس مع الفارق كما يقولون.

والخلاصة أن عدم النص فى القرآن على عقوبة دنيوية إلى جانب العقوبة الأخروية لا يلزم منه منع العقبة الدنيوية إذا ثبتت بطريق السنة الصحيحة متواترة كانت أو غير متواترة، وأن الحدود تثبت بالسنة غير المتواترة، وأن حد الردة هو للمسلم التارك للإسلام وليس لغيره من الأديان الاخرى

<<  <  ج: ص:  >  >>