للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرفق بالحيوان]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

يزعم بعض رجال العصر أن الحضارة الغربية هى أول حضارة كونت جمعيات للرفق بالحيوان، فهل فى الإسلام ما يفند زعم هؤلاء؟

الجواب

من أعظم الصفات التى تميز بها النبى صلى الله عليه وسلم صفة الرحمة، والنصوص فى ذلك كثيرة، ولذلك حرص عليها ودعا إليها وقال فيما قال "من لا يَرحم لا يُرحم " رواه البخارى ومسلم، وقال "لا تنزع الرحمة إلا من شقى" رواه الترمذى وقال: حسن صحيح.

ومن مظاهر رحمته الشاملة رحمته بالحيوان الأعجم، الذى سخره الله لخدمة الإنسان، فمن الواجب صيانة هذه النعمة حتى يدوم الانتفاع بها، بل إن رحمته شملت الحيوانات الأخرى التى لا تظهر فيها المنفعة المباشرة فى الأمور الأساسية للحياة، لأنها على كل حال مخلوقات تحس بما يحس به كل حيوان، ولهذه الرحمة ألوان ومظاهر، منها:

١ -عدم حبس الطعام عنها وتجويعها وعدم العناية بها، وجاء فى ذلك حديث البخارى ومسلم "عذبت امرأة فى هرة حبستها، لا هى أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض " وحديث أبى داود أنه صلى الله عليه وسلم مر ببعير قد لحق ظهره ببطنه، أى هزيل من الجوع، فقال "اتقوا الله فى هذه البهائم، فاركبوها صالحة وكلوها صالحة".

٢- تيسير إطعامها والعناية بها، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن رجلا نزل بئرا فسقى كلبا يلهث من شدة العطش،فشكر الله له فغفر له ولما سأله الصحابة عن الأجر فى سقى البهائم قال "فى كل ذات كبد رطبة أجر" رواه البخارى. وفى حديث رواه مسلم "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة" وكان صلى الله عليه وسلم يصغى الإناء للهرة -أى يميله -حتى تشرب، ثم يتوضأ بما فضل منها كما رواه الدارقطنى عن عائشة، وقد يقال إن هناك تعارضا بين الترغيب في سقى الكلب والأمر بقتله، وقد تحدث عن ذلك ابن حجر فى فتح البارى "ج ٥/ ٥٢ " بأن قوله "فى كل ذات كبد رطبة أجر" مخصوص ببعض البهائم مما لا ضرر فيه، لأن المأمور بقتله كالخنزير لا يجوز أن يقوى ليزداد ضرره، وكذا قال النووى: إن عمومه مخصوص بالحيوان المحترم، وهو ما لم يؤمر بقتله، فيحصل الثواب بسقيه، ويلحق به إطعامه وغير ذلك من وجوه الإحسان إليه، واستدل به على طهارة سؤر الكلب، وهو ما يتبقى فى الإناء بعد شربه منه.

٣-عدم إلحاق ضرر بالحيوان أيَّا كان هذا الضرر، ومنه تحميله ما لا يطيق وإرهاقه فى السير، ففى مسلم وغيره قوله صلى الله عليه وسلم "إذا سافرتم فى الخصب فأعطوا الإبل حظًّا من الأرض" وروى عن أبى الدرداء قوله لبعير له عند الموت: يا أيها البعير لا تخاصمنى عند ربك، فإنى لم أكن أحملك فوق طاقتك، وأخرج الطبرانى عن على قال: إذا رأيتم ثلاثة على دابة فارجموهم حتى ينزل أحدهم.

٤ -عدم اتخاذ الحيوان أداة للهو، كجعله غرضا للتسابق فى رميه بالسهام، ويشبهه ما يعرف اليوم بمصارعة الثيران، فقد مر عبد الله بن عمر رضى الله عنهما بفتيان من قريش نصبوا طيرا وهم يرمونه، وجعلوا لصاحبه كل خاطئة من نبلهم، فقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه روح غرضا، رواه البخارى ومسلم.

٥ - الإحسان إلى الحيوان عند الذبح، وجاء فى ذلك حديث الطبرانى والحاكم وصححه: أن رجلا أضجع شاة ليذبحها وهو يحد شفرته، فقال صلى الله عليه وسلم "أتريد أن تميتها موتات، هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها"؟ وفى حديث آخر "إن الله كتب الإحسان فى كل شىء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته" رواه مسلم. يقول ربيعة الرأى:

من الإحسان ألا تذبح ذبيحة وأخرى تنظر إليها.

٦ - روى أبو داود أن النبى صلى الله عليه وسلم كان فى سفر ومعه بعض أصحابه، فذهب لبعض شأنه، فأخذ جماعة منهم فرخين لطائر يسمى "قبَّرة" فجعلت تحوم وتعلو وتهبط لتخلص ولديها منهم، فلما رآها صلى الله عليه وسلم قال "من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولديها إليها".

تلك بعض المظاهر التى تدل على مدى رحمة الإسلام ونبى الإسلام بالحيوان، سبق به ما تنادوا به حديثا من وجوب الرفق بالحيوان، وهو دليل على أنه دين صالح لكل زمان ومكان يقوم بهذه الأعمال على أنها طاعة وقربة إلى الله يرجى عليها الأجر، وإذا كانت بعض الدول تحرص على الرفق بالحيوان كانجلترا التى تأسست بها جمعية لذلك سنة ١٨٢٩ م فأولى أن يكون عندها رفق بالإنسان الذى يستعبدونه بالاستعمار ومظاهره التى تتنافى مع الإنسانية التى كرم الله بها آدم وذريته

<<  <  ج: ص:  >  >>