للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم التحية بالسلام]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

هل يجب على الإنسان إذا مر على غيره أن يلقى عليه السلام، وهل يجب على هذا الغير أن يرد عليه السلام، وما جزاء التقصير فى ذلك؟

الجواب

يقول الله سبحانه {فإذا دخلتم بيوتا فسلِّموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة} النور: ٦١ ويقول {لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلِّموا على أهلها} النور: ٢٧ ويقول {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} النساء: ٨٦ ويقول {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين. إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام} الذاريات: ٢٤، ٢٥.

١ -التحية بين الناس تقليد قديم ولهم فيها طقوس مختلفة يمكن الرجوع لمعرفة بعضها فى الجزء الثانى من موسوعة الأسرة. والتحية بصيغة السلام قديمة جدا، شرعها الله لأبينا آدم عليه السلام كما يدل عليه حديث البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "خلق الله عز وجل آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال:

اذهب فسلِّم على أولئك، نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا:

السلام عليك ورحمة الله، فزادوا: ورحمة الله " والآيات تدل على أن السلام تحية أهل الجنة فيما بينهم، وتحية الملائكة لهم.

والآية الرابعة تدل على أن الملائكة سلمت على سيدنا إبراهيم عليه السلام، فرد عليهم السلام، والآية الأولى تدل على مشروعية التحية بالسلام فى شريعة الإِسلام، وأنها مأمور بها، والآية الثانية تنهى عن التهاون فيها، والآية الثالثة تأمر برد التحية على من يبدأ بها، وتحث على أن يكون الرد أحسن من البدء.

٢ -ولا يشك عاقل فى أن التحية بالسلام من عوامل التآلف بين الناس، وإشاعة الأمن والمحبة فيما بينهم، ولذلك اختارها الله سبحانه لتكون تحية أهل الجنة بعضهم مع بعض وتحية الملائكة لهم، بعد تحية الله لهم عند دخولها، قال تعالى {تحيتهم يوم يلقونه سلام} الأحزاب:

٤٤ وقال {ادخلوها بسلام آمنين} الحجر: ٤٦ وقال {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} الرعد: ٢٣، ٢٤ وقال {دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام} يونس: ١٠.

ولذلك حث عليها النبى صلى الله عليه وسلم فى أكثر من حديث، منها "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم.

[" لا تؤمنوا " بحذف النون لغة صحيحة معروفة، أو مشاكلة للفعل المنصوب قبلها، كما فى شرح ابن علان لأذكار النووى] وروى البخارى ومسلم أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم: أي الإِسلام خير؟ فقال "تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ".

٣-والصيغة المشروعة للتحية هى فى الحد الأدنى أن يقول المبتدئ السلام عليك، ويسن أن يزيد: ورحمة الله وبركاته، وأن يكون بصيغة الجمع لقوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} وثواب الحد الأدنى عشر حسنات وكل زيادة بعشر. كما فى حديث رواه أبو داود والترمذى بإسناد حسن ويكره أن يقول المبتدئ: عليك السلام، فإنها تحية الموتى كما ورد فى حديث صحيح رواه الترمذى. وللفقهاء تفريعات يرجع إليها فى أذكار النووى.

٤ - وإذا كانت التحية مشروعة ومأمورا بها، فما هى درجة الأمر، هل الوجوب أو الندب؟ قال العلماء: الابتداء مندوب يثاب المرء على فعله ولا يعاقب على تركه، والإجابة واجبة يثاب المرء على فعلها ويعاقب على تركها.

وإذا كان البادئ بالسلام جماعة كانت السنة على الكفاية، يكفى تسليم واحد منهم، والأفضل أن يسلموا جميعا، وأما رد السلام من الجماعة فيكون واجبا على الكفاية أى يكفى أن يرد واحد منهم، والأفضل أن يردوا جميعا، وإن تركوه جميعا أثموا. والدليل على ذلك حديث رواه أبو داود "يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم" وقد مر فى ص ٦٥٣ من المجلد الثانى حكم التحية بالمراسلة أو الإِذاعة. كما مر فى ص ٦٥٧ حكم الاكتفاء فى التحية بالإِشارة باليد، وروى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم "هذا جبريل يقرأ عليك السلام" قالت: قلت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته.

٥ - وإذا كانت تحية السلام مشروعه فهناك أحوال استثنائية لا تشرع فيها، منها:

١ -إذا كان المسلَّم عليه مشغولا بالبول أو موجودا فى حمام فيكره إلقاء السلام عليه، ولا يستحق جوابا إن سلَّم، بل يكره.

٢ -من كان نائما أو ناعسا لا يلقى عليه السلام.

٣- وكذلك من كان مصليا أو مؤذنا فى حال الصلاة والأذان ويحرم على المصلى أن يرد بصيغة المخاطب "عليكم" وتبطل صلاته، ولا تبطل إن كان الرد بصيغة الغائب "وعليه" ويستحب الرد بالإِشارة لا بالكلام، وإن رد بعد الصلاة فلا بأس، ولا يكره للمؤذن أن يرد، لأنه شىء يسير لا يبطل الأذان ولا يخل به.

٤ -إذا كان المسلَّم عليه يأكل واللقمة فى فمه. لا يسلَّم عليه ولا يستحق جوابا والرد مندوب أما إذا كان على الأكل وليست اللقمة فى فمه فلا بأس بالسلام عليه ويجب الجواب وكذلك فى حال المبايعة وسائر المعاملات يندب السلام وتجب الإجابة.

٥ -السلام على من يستمعون خطبة الجمعة مكروه، لأنهم مأمورون بالإِنصات، فإن خالف وسلَّم لا يجب الرد، وعلى رأى من يقول:

إن الإِنصات سنة يرد عليه واحد فقط من الحاضرين.

٦ - والمشتغل بقراءة القرآن يكره السلام عليه، فإن سلَّم فالراجح وجوب الرد، ثم استئناف القراءة، ولا يكتفى بالرد بالإِشارة كما قال البعض. ومثل قارئ القرآن المشتغل بالدعاء والاستغراق فيه، فيكره السلام عليه، كما يكره السلام على المشتغل بالتلبية فى الإِحرام.

٧ - المرأة الأجنبية إن كانت جميلة يخاف الافتتان بها لا يسلم الرجل عليها، ولو سلم لم يجز لها رد الجواب، وهى لا تسلم عليه ابتداء، وإن سلمت لم تستحق جوابا، فإن أجابها كره له ذلك. وإن كانت عجوزا لا يفتتن بها جاز أن تسلم على الرجل، وعلى الرجل رد السلام عليها، وإذا كانت النساء جمعا فيسلم عليهن الرجل، أو كان الرجال جمعا كثيرا فسلموا على المرأة الواحدة جاز إذا لم يخف عليه ولا عليهن ولا عليها أو عليهم فتنة، وقد مر ذلك فى صفحة ٣٦٣ من المجلد الثالث.

٨-الفاسق بارتكاب منكر ولم يتب لا يسلَّم عليه ولا يرد عليه السلام، وقد مر ذلك.

٩- غير المسلم لا يسلم عليه تحريما أو كراهة، وقد مر الكلام فى ذلك أيضًا.

وقد جمع بعض الشعراء الحالات المستثناة من السلام فى قوله:

رد السلام واجب إلا على * مَنْ بصلاة أو بأكل شغلا أو شرب وقراءة أو أدعية * أو ذكر، وفى خطبة أو تلبية أو فى قضاء حاجة الإنسان * أو فى إقامة أو الأذان أو سلَّم الطفل أو السكران * أو شابة يخثسى بها افتتان أو فاسق أو ناعس أو نائم * أو حالة الجماع أو تحاكم أو كان فى حمام أو مجنونا * فواحد من بعده عشرونا هذا، ويستحب للإِنسان إذا دخل بيته أن يسلم وإن لم يكن فيه أحد، وليقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، وذلك للآيتين الأوليين المذكورتين فى أول الإجابة، وللحديث الحسن الصحيح الذى رواه الترمذى عن أنس قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا بنى إذا دخلت على أهلك فسلِّم تكن بركة عليك وعلى أهل بيتك ".

ومن أراد الاستزادة فى موضوع السلام فليرجع إلى "الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار" للإِمام النووى

<<  <  ج: ص:  >  >>