للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أسامة والقصاص]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

جاء فى القرآن أن أسامة بن زيد قتل رجلا قال لا إله إلا الله، فلماذا لم يقتص منه النبى صلى الله عليه وسلم؟

الجواب

يقول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عَرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة} النساء: ٩٤.

السبب فى نزول هذه الآية ما أخرجه البخارى عن عطاء عن ابن عباس قال: كان رجل فى غُنيمة له فلحقه المسلمون فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته. فأنزل الله هذه الآية. وفى غير البخارى أن الرسول صلى الله عليه وسلم حمل ديته إلى أهله وردَّ عليه غنيماته. واختلف فى تعيين القاتل والمقتول فى هذه الحادثة، فالذى عليه الأكثرون أن القاتل هو محلِّم بن جثامة، والمقتول هو عامر بن الأضبط، فدعا الرسول على محلِّم فمات بعد قليل، وفى سنن ابن ماجه عن عمران بن حُصين أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل القاتل "فهلا شققت عن بطنه فعلمت مما فى قلبه"؟ فقال: يا رسول الله لو شققت بطنه أكنت أعلم ما فى قلبه؟ قال "لا، فلا أنت قبلت ما تكلم به، ولا أنت تعلم ما فى قلبه" فمات القاتل بعد قليل.

وقيل: إن القاتل أسامة بن زيد، والمقتول مرداس بن نهيك الغطفانى ثم الفزارى من بنى مُرة من أهل فدك، قاله ابن القاسم عن مالك.

وقيل: كان مرداس هذا قد أسلم من الليلة وأخبر بذلك أهله. ولما عظَّم النبى صلى الله عليه وسلم الأمر على أسامة حلف عند ذلك ألا يقاتل رجلا يقول: لا إله إلا الله جاء فى صحيح مسلم عن أسامة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سرية فصبحنا الحرقَات من جهينة فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فوقع فى نفسى من ذلك، فذكرته للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: "أقال لا إله إلا الله وقتلته "؟ قال: قلت يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح - فقال " أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا"؟ .

وإذا كان هناك تعدد فى الحادثة فقد حكم الرسول صلى الله عليه وسلم فى بعضها بالدية كما تقدم وفى حادث أسامة يقول القرطبى في تفسيره "ج ٥ص ٣٢٤" لم يحكم عليه صلى الله عليه وسلم بقصاص ولا دية، ويقول: وروى عن أسامة أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لى بَعْدُ ثلاث مرات، وقال " أعتق رقبة " ولم يحكم بقصاص ولا دية، فقال علماؤنا: أما سقوط القصاص فواضح، إذ لم يكن القتل عدوانا، وأما سقوط الدية فلأوجه ثلاثة: الأول:

لأنه كان أذن له فى أصل القتال فكان عنه إتلاف نفس محترمة غلطا، كالخاتن والطبيب أى ما دام مأذونا له فلا ضمان فى خطئه، كالذى يقوم بعملية الختان وكالطبيب لا يضمنان ما أخطآ فيه.

الثانى: لكونه من العدو، ولم يكن له ولىٌّ من المسلمين تكون له ديته، لقوله تعالى: {فإن كان من قوم عدوٍّ لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} النساء: ٩٢ والمعنى عند ابن عباس وغيره: فإن كان هذا المقتول رجلا مؤمنا قد آمن وبقى فى قومه وهم كفرة {عدو لكم} فلا دية له، وإنما كفارته تحرير الرقبة، وهو المشهور من قول مالك، وبه قال أبو حنيفة. وسقطت الدية لوجهين، أحدهما أن أولياء القتيل كفار، فلا يصح أن تدفع إليهم فيتقووا بها، والثانى أن حرمة هذا الذى آمن ولم يهاجر قليلة، فلا دية، لقوله تعالى {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا} الأنفال:

٧٢.

وقالت طائفة: بل الوجه فى سقوط الدية أن الأولياء كفار فقط، فسواء كان القتل خطأ بين أظهر المسلمين أو بين قومه ولم يهاجر أو هاجر ثم رجع إلى قومه - كفارته التحرير ولا دية فيه، إذ لا يصح دفعها إلى الكفار، ولو وجبت الدية لوجبت لبيت المال على بيت المال. فلا تجب الدية فى هذا الموضع وإن جرى القتل فى بلاد الإِسلام، وهذا قول الشافعى، وبه قال الأوزاعى والثورى وأبو ثور، وعلى القول الأول وإن قُتل المؤمن فى بلاد المسلمين وقومه حرب ففيه الدية لبيت المال والكفارة.

الثالث: من أوجه سقوط الدية عن أسامة أنه اعترف بالقتل ولم تقم بذلك بينة، ولا تعقل العاقلة اعترافا -أى الدية لا تجب على أهل القاتل بالاعتراف بل لا بد من البينة- ولعل أسامة لم يكن له مال تكون فيه الدية هذا ما ذكره القرطبى فى توجيه عدم القصاص من أسامة وعدم وجوب الدية عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>