للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأمل والعمل]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

يقول الله تعالى فى حق الكفار {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون} الحجر: ٣ فهل الأمل من صفات الكافرين، وكيف يذمه القرآن ولا يستغنى عنه إنسان؟

الجواب

الأمل شىء مركوز فى الطبيعة البشرية ولولاه ما تحرك الإِنسان وما عمل، فهو يشيب ويهرم ويشيب ويهرم معه الأمل والحرص كما ثبت فى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم. وهو ضد اليأس الذى يغرى بالكسل والزهد فى الحياة وبتمنى الموت عند اشتداد الأزمات، يقول النبى صلى الله عليه وسلم "واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا" رواه الطبرانى عن عبد الله بن جعفر "الجامع الكبير للسيوطى" يقول الطفرائى:

أعلل النفس بالآمال أرقبها * ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل والدين لا يحارب هذا الشىء المطبوع فى النفس ولكن يوجهه إلى الخير، والتوجيه يقوم على أمرين، أولهما عدم الاكتفاء بالأمل بل لابد معه من العمل من أجل الوصول إلى ما يؤمله الإِنسان وثانيهما أن يكون فى الوسع وبالقدر المستطاع.

وفى الأمر الأول جاء قول الله تعالى فى حق أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى وفى حق المسلمين الذين يدَّعى كل فريق منهم بأن له الجنة {ليس بأمانيكم ولا أمانىِّ أهل الكتاب من يعمل سوءا يُجْز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا. ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا} النساء:

١٢٣، ١٢٤ وفى هذا المقام يقول الحسن البصرى: ليس الإِيمان بالتمنى ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل وإن قوما خرجوا من الدنيا ولا عمل لهم وقالوا: نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل، مع ملاحظة أن الجهد المبذول يكون متناسبا مع درجة الأمل، فإن كان كبيرا كان الجهد كبيرا. والكبر جهد مع نية. روى مسلم أن ربيعة بن كعب الأسلمى خادم الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: أسألك مرافقتك فى الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام " فأعنى على ذلك بكثرة السجود" والشاعر الحكيم يقول:

ومن يطلب الحسناء لم يُغْلِهِ المهر * ولا بد دون الشهد من إبر النحل وفى الأمر الثانى ينظر إلى ما يؤمله الإنسان فهو إما أن يكون أمرا دنيويا وإما أن يكون أمرا أخرويا، أو بمعنى آخر إما أن يكون من أمور الدنيا أو من أمور الآخرة، ففى أمور الدنيا لابد أن يكون الأمل محدودًا لأن أجل الإِنسان محدود لا يتسع لكل الآمال العريضة، وفى أمور الدين لابد من سعة الأمل، مع مراعاة الوسع والطاقة فى كلا الأمرين.

وفى أمور الدنيا يجىء الحديث الذى رواه البخارى عن عبد الله بن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم خط لهم خطا مربعا -أى رسم لهم شكل مربع- وخط وسطه خطا، وخط خطوطا إلى جنب الخط، وخط خطا خارجا ثم قال "أتدرون ما هذا"؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال "هذا الإِنسان" للخط الذى فى الوسط "وهذا الأجل" للخط المحيط به "وهذه الأعراض" للخطوط التى حوله " تنهشه، إن أخطأه هذا نهشه هذا، وذلك الأمل" ويعنى الخط الخارج. وهذا ما يعنيه قول القائل: الآمال تخترمها الآجال.

وفى أمور الدين يقول النبى صلى الله عليه وسلم " المؤمن لا يشبع من خير حتى يكون منتهاه الجنة " رواه الترمذى وابن حبان، ويقول: " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز " رواه مسلم، ويقول " إذا سألتم الله الجنة فأعظموا الرغبة واسألوا الفردوس الأعلى فإن الله لا يتعاظمه شىء" رواه البخارى ومسلم. من هذا نرى أن الأمل لا يكون مذموما فى كل حال، بل الذم يكون إذا لم يصحبه عمل ويكون لما هو دنيوى ولا يتناسب مع عمر الإِنسان وإمكاناته وكثرت النصوص والأقوال فى ذمه ليقف عند الحد المعقول، أما مدحه فالنصوص فيه قليلة لأن الطبيعة البشرية تدعو إليه بقوة، وفى المقابل يجىء التنفير القوى ليقف فى الحد الوسط المناسب، فلا يقضى عليه أبدا ولا تطلق له الحرية أبدا.

وكل ذلك محله فى الأمل فى الخير المشروع، أما الأمل فى الشر فذلك مذموم على كل حال، فإذا كانت الآية التى فى السؤال تذم الأمل فلا تذمه لذاته بل لأنه يلهى عن الله وعن الآخرة. وسيعلم الكفار عاقبة ذلك يوم القيامة. روى البزار فى مسنده عن أنس رضى الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أربعة من الشقاء: جمود العين - أى عدم البكاء- وقساوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا" وروى حديث يقول "نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد ويهلك آخرها بالبخل والأمل" ذكره القرطبى فى تفسيره ج ١٠ ص ٢،٣ " رواه ابن أبى الدنيا والخطيب "الجامع الكبير للسيوطى" وذكر كلاما عن أبى الدرداء والحسن البصرى فى التحذير من الأمل الدنيوى العريض

<<  <  ج: ص:  >  >>