للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عهد لرهبان سيناء]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

هل صحيح أن هناك عهدا مكتوبا من النبى صلى الله عليه وسلم للرهبان فى طور سيناء ما زال موجودا إلى الآن، وهل هناك عهد من عمر أيضا لذلك؟

الجواب

يقول الأستاذ حسن محمد قاسم: يوجد فى صحراء سينا دير الروم الأرثوذكسى، بناه الإمبراطور "جستنياس" سنة ٥٤٥ م، وهو فى سفح قمة على أحد فروع وادى الشيخ، ويعلو عن سطح الأرض بحوالى ٥٠١٢ قدما ومساحة سور٨٥ X٧٥ مترا ويسكن فيه الآن (١٩٣٤ م) ستون راهبا يرأسهم مطران وله وكيل. توجد فيه صورة عهد قديم منسوب إلى النبى صلى الله عليه وسلم -على زعمهم- كتبه لهم فى السنة الثانية للهجرة أمانًا لهم وللنصارى كافة. وأن السلطان سليم العثمانى عند فتحه لمصر سنة ٩٢٣ هـ (١٥١٧ م) أخذه منهم وحمله إلى المكتبة السلطانية بالآستانة، وترك لهم صورة مع ترجمتها باللغة التركية، وتوجد منها عدة صور بالعربية والتركية، بعضها منسوخ فى كتاب صغير، وبعضها على رق غزال، وكل صورة منها تختلف بوضوح عن الأخرى، ويلى هذا العهد عهد آخر نسب إلى سيدنا عمر، وهو كالأول فى بنايته، ولذلك أنكر بعض الباحثين صحة ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم، ومنهم المحقق أحمد زكى باشا، وألقى فى ذلك محاضرة فى المؤتمر الدولى العام للمستشرقين.

ومما جاء فى فاتحة هذا العهد عن أصح صورة عندهم وأقدمها:

هذا كتاب كتبه محمد بن عبد الله إلى كافة الناس أجمعين بشيرا ونذيرا ومؤتمنا على وديعة الله فى خلقه، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما، كتبه لأهل ملته ولجميع من ينتحل دين النصرانية من مشارق الأرض ومغاربها. وجاء فى آخره: وكتب على بن أبى طالب هذا العهد بخطه فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم بتاريخ الثالث من المحرم ثانى سنى الهجرة، وذكر فى أسماء الصحابة الذين وقعوا على هذا العهد: غاز بن ياسينى - معظم بن قرشى - عبد العظيم ابن حسن -ثابت بن نفيس من أسماء أخرى.

وجاء فى خاتمة العهد العمرى: تمت وسطرت هذه النسخة فى ثانى رجب المرجب سنة ٩٦٨ (١٩ مارس ١٥٦١ م) ما تضمنته هذه العهدة تامة المنسوبة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فى حق طائفة القسس والرهبان على وفق الشروط، والله أعلم بالصواب (الختم) طه بن محمد سعد.

نص العهد العمرى هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص منها ولا خبزها ولا من صليبهم ولا من شىء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطى أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوت، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلِّى بيعهم وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان فمن شاء منهم قعدوا عليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، فإنه لا يؤخذ منهم شىء حتى يحصد حصادهم. وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذى عليهم من الجزية، شهد على ذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبى سفيان، وكتب وحفر سنة خمس عشرة "مجلة الرسالة الإِسلامية -بيروت فى ٢٦ / ٢ / ١٩٧٩ م".

يقول الأستاذ حسن محمد قاسم: وقد اختلق الرهبان هذه الأساطير لدفع الظلم عنهم، وأيدوا ذلك بأربعة أسباب مهمة:

١ -لغة العهد الأولى والثانية تختلف عن لغة عصر النبوة، ففيها تراكيب لم تكن مألوفة حينذاك.

٢ -هى مؤرخة فى السنة الثانية للهجرة، مع أن الهجرة لم يؤرخ بها إلا فى السنة الثانية عشرة، أى بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بسبع سنين، فضلا عن أن بعض الشهود كأبى هريرة وأبى الدرداء لم يكونوا قد أسلموا فى السنة الثانية للهجرة.

٣ - مؤرخوا الإسلام الذين أحصوا كل آثار النبى صلى الله عليه وسلم لم يذكروها ولم يشيروا إليها، وغاية ما ورد وصية النبى صلى الله عليه وسلم بقبط مصر.

٤ -ورود هذه الأسماء المجهولة فى ذيل العهدة، مع شهرة أسماء الصحابة.

هذا ما كتبه الأستاذ حسن محمد قاسم ونشره فى مجلة الإِسلام - العدد ٤٥ من المجلد الثانى، ومهما يكن من شىء فإن الإسلام دين السماحة كما هو معروف، يعامل اليهود والنصارى بالذات كأهل كتاب، أفضل من معاملة غيرهم، وقد أحل للمسلمين أكل ذبائحهم وزواج نسائهم، كما نصت عليه الآية الخامسة من سورة المائدة، وكما هو موضح فى عدة مواضع من هذه الفتاوى، ومن الثابت أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بفتح مصر وأوصى بقبطها خيرا فإن لهم ذمة ورحما، والقول الفصل فى معاملة غير المسلمين هو {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} التوبة: ٧ ولا حاجة بعد ما جاء فى القرآن والسنة إلى مثل هذه العهود التى لم يثبت صحتها

<<  <  ج: ص:  >  >>