للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المدنية الغربية]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما هى النظرة الصحيحة لتقويم المدنية الغربية فى العصر الحاضر؟

الجواب

كل مجتمع فيه إيجابيات وسلبيات، والمجتمع الصالح هو ما كثرت إيجابياته وقلت سلبياته، والصلاح متفاوت ليس على درجة واحدة، فما كانت إيجابياته تسعين فى المائة يكون أصلح مما كانت إيجابياته سبعين فى المائة وهكذا، والإنسان وهو أساس المجتمع ليس معصوما من الخطأ، فإنه ابن آدم الذى أكل من الشجرة، ولكن الخير فى مبادرة المخطئ بالتوبة وإصلاح خطئه، والحديث فى ذلك معروف " كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون " رواه الترمذى وابن ماجه والحاكم.

والمدنية الغربية الحاضرة فيها الإيجابيات والسلبيات، وإيجابياتها المادية أكثر من سلبياتها المادية، لكن فى الناحية الروحية تقل الإيجابيات بدرجة كبيرة، مع تفاوت فيها بين الدول، وعلى الرغم من ذلك فإن العالم كله فى حاجة بعضه إلى بعض، والمجتمع الصالح هو الذى يأخذ من المجتمعات الأخرى ما-هو صالح بمقياس دينه الذى قرر الله أن من تمسك به كان هو الفائز بالسعادة فى الدارين {فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} طه: ٢٣ ١، ٤ ٢ ١ والرسول صلى الله عليه وسلم أخذ برأى سلمان فى حفر الخندق وهو منقول عن حضارة الفرس، وكذلك الخلفاء الراشدون أخذوا بالنظم الأجنبية فى الإدارات وغيرها ما دامت فيها مصلحة ولم تتعارض مع الدين.

ومن المعلوم أن المدنية الغربية الاَن لا تلتزم بتعاليم الدين الإسلامى، وموقفها منه معروف، وبعض دولها لا دينى يكفر بالأديان كلها، وبعضها لا يلتزم بالدين الذى يدين به على الرغم من أنه دين منسوخ لا يعتد به بعد الإسلام {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين} آل عمران: ٨٥.

وهى لم توفر للانسان سعادته لا فى الدنيا ولا فى الآخرة، أما فى الآخرة فلأنها لا تؤمن بالإسلام، وأما فى الدنيا فلأن المظاهر المادية إن لم توجهها قيادات روحية كانت كالسهام الطائشة لا تصيب هدفا، بل تضر أكثر مما تفيد. ويكفى دليلا على انحرافها تنافسها فى الغلب وفى استعمار الدول الأخرى، لا فرق بين المسلمين منها وغير المسلمين.

وإذا كانت شهادة المسلم على إفلاس المدنية الغربية متهمة: فإن كبار المفكرين منهم شهدوا على ذلك، ضاربين الأمثلة بشيوع الإلحاد الذى مزق النفوس بالشك والحيرة ودعا إلى الانتحار على الرغم من الرخاء المادى، وبالتفرقة العنصرية حتى فى ارقى الدول حضارة، وبالانحلالى الخلقى والاستهتار بالقيم الذى منع استقرار الأسرة وأغرى بارتكاب الفواحش، وباستخدام العلم فى استنباط وسائل الدمار يقول " ماكس نوردو " الألمانى فى كتابه " الأكاذيب المتفق عليها فى مدنيتنا الراهنة ":

الإنسانية دائبة وراء البحث عن العلم والسعادة، ولكنها لم تكن فى عهد من عهودها أبعد عن الارتياح إليها والغبطة بها مما هى عليه فى هذا العصر، فلو سألت أى إنسان أو أى بيت هل تحس بالسعادة لقال لك: ابحث عنها بعيدا عنا، وانظر الإلحاد وما فشا فيه من تشاؤم بلغ قمته فى فلسفة " شوبنهور" وتلميذه " هارتمان " عقَّد النفس ودفع إلى الانتحار أو إدمان الخمور، ليس عند الفتى ارتياح واطمئنان، وليس عند الفقير صبر واحتمال، إن الناس يشكون اليوم من ضياع الأخلاق، فهل يسمح الإلحاد بها وقد أزال الإيمان من القلوب، وأزال معه المبادئ الصالحة؟ لقد كانت الإنسانية فى قديم الزمان تشكو مما نشكو منه من القلق وعدم الارتياح، ولكن الذى منعها أن تثور ثورتنا أنها كانت تستمد من إيمانها تعزية وسلاما والذى ينتظر سعادة أخروية يسهل عليه أن يصبر على شىء وقتى ويخفف وقعه عليه.

نأخذ من هذه الشهادة ومن الواقع الملموس أن المدنية الغربية لن تحقق السعادة المنشودة بدون الإيمان الصحيح، ولا ينبغى الاغترار بمظاهرها المادية فهى مسخرة؟ للدمار، وهى فى سبيلها للانهيار كما انهارت دول وحضارات فى القديم والحديث، وصدق الله إذ يقول {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم} محمد: ١٢

<<  <  ج: ص:  >  >>