للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التاريخ وذكر مساوئ الموتى]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

سمعنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "اذكروا محاسن موتاكم " فلماذا يٌدْرس لنا التاريخ وفيه كشف لمساوئ السابقين والتشهير بهم؟

الجواب

من المشاهد عندما يموت إنسان له شأن فى الدنيا أن الناس يتحدثون عنه إما بالخير وإما بالشر، والحديث بالخير إشادة بذكره وتكريم له وتعزية لأهله أن الناس راضون عنه، والحديث بالشر تشويه لذكره وإهانة له، وزيادة ألم على أهله، وقد يقصد به التشفى الذى يورث الأحقاد التى ربما تؤدى إلى نزاع يحتدم ويشتد وتكون له آثاره السيئة، والحديث عن الميت بالثناء أو الذم لا أثر له عند الله فهو سبحانه العليم بما يستحقه الميت من تكريم أو إهانة، وقد يكون حديث الناس عنه دليلا ولو ظنيًّا على منزلته عند ربه، لكن ذلك لا يكون إلا من أناس على طراز معين من الصلاح والتقوى وقول الحق لوجه الحق، كالصحابة الذين جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادتهم للميت دليلا على منزلته عند الله، فقد جاء فى الصحيحين أن جنازة مرت على النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأثنوا فيها خيرا، فقال " وجبت "، ثم مرت جنازة أخرى فقالوا عنها شرا فقال " وجبت " ولما سألوه عن معنى ما قال،قال صلى الله عليه وسلم " من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن قلتم عنه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله فى الأرضى ".

ومع ذلك نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يذكر الأموات بالسوء إذا كان ذلك للتشفى من أهله. فذلك يغيظهم ويؤذيهم، والإسلام ينهى عن الإيذاء لغير ذنب جناه الإنسان، ففى حديث البخارى " لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدَّموا" وقال عليه الصلاة والسلام فى قتلى بدر من المشركين " لاتسبوا هؤلاء فإنه لا يخلص إليهم شئ مما تقولون وتؤذون الأحياء " وعندما سب رجل أباً للعباس كان فى الجاهلية كادت تقوم فتنة قال فيها الرسول عليه الصلا والسلام " لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا" رواه أحمد والترمذى والطبرانى.

قال العلماء: يحرم سب الميت المسلم الذى ليس معلنا بفسقه، أما الكافر والمعلن بفسقه من المسلمين ففيه خلاف للسلف، وجاءت فيه نصوص متقابلة. يقول النووى فى كتابه " الأذكار ص ١٦٨ ":

وحاصله أنه ثبت فى النهى عن سب الأموات ما ذكرناه من الأحاديث، وجاء فى الترخيص فى سب الأشرار أشياء كثيرة، منها ما قصه الله علينا فى كتابه العزيز، وأمرنا بتلاوته وإشاعة قراءته، ومنها أحاديث كثيرة فى الصحيح، كالحديث الذى ذكر فيه صلى الله عليه وسلم " عمرو بن ُلحَىٍّ "وقصة أبى رغال الذى كان يسرق الحاج ـ الحجاج ـ بمحجنه ـ عصا معقوفة الرأس ـ وقصة عبد الله بن جدعان وغيرهم، ثم قال: وأصح الأقوال وأظهرها فى الجمع بين النصوص أن أموات الكفار يجوز ذكر مساويهم، واما أموات المسلمين المعلنين بفسق أو بدعة أو نحوهما فيجوز ذكرهم بذلك إذا كان فيه مصلحة كحاجة إليه للتحذير من حالهم، والتنفير من قبول ما قالوه، الاقتداء بهم فيما فعلوه، وإن لم تكن حاجة لم يجز، وعلى هذا التفصيل تنزل هذه النصوص، وقد أجمع العلماء على جرح المجروح من الرواة.

ودراسة التاريخ إن كانت لغرض الاعتبار والاقتداء بالصالحين والتحذير من سلوك غير الصالحين، دون قصد للتشهير والتعيير الذى يظهر أثره على الأحياء ويؤدى إلى الفتنة.،.فلا مانع منها أيضا، فالله سبحانه قص علينا فى القرآن أخبار المكذبين، كما قص أخبار المرسلين والصالحين، وقال فى حكمة ذلك {لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب} [يوسف: ١١١] وقال {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} [هود: ١٢٠] .

ومهما يكن من شئ فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، والأولى أن نقبل على الخير حتى يكون لنا ذكر حسن على ألسنة الناس بعد أن نفارقهم فيتذكرونا بدعوة صالحة ينفع الله بها الصالحين

<<  <  ج: ص:  >  >>