للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشيوعية]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

ما هى المبادئ والأصول التى قامت عليها الشيوعية، ومل هو موقف الإسلام منها؟

الجواب

الشيوعية لون من ألوان الاشتراكية، التى هى نظام تعاونى قائم على جعل الوسائل الرئيسية للانتاج والتوزيع ملكا للمجتمع، وموجهة بطريقة ديموقراطية نحو الصالح العام، بإيجاد فرص عمل لجميع الأفراد، ورفع مستوى الإنتاج ومستوى المعيشة مع الضمان الاجتماعى وعدالة التوزيع.

وهذا المعنى يفكر فيه الناس من قديم الزمان وإن كانت وسائلهم إلى تحقيقه مختلفة، فكان قدماء اليونان يدعون إلى المساواة، والراهب "ميزليه " نادى بنزع الملكية الخاصة، وأتباع " توما الأكوينى" المتوفى سنة ١٢٧٢ م. كانوا يدعون إلى ذلك، لكن هذا المعنى ظهر بوضوح فى القرون الأخيرة بعد النهضة الصناعية فى أوربا فى نهاية القرن الثامن عشر، ويعزى إلى " لوى بلان " هذا المبدأ: من كل حسب مقدرته، ولكل حسب حاجته.

كان من أعظم الاشتراكيين المحدثين "كارل ماركس " المتوفى سنة ١٨٨٣م.

وجاء عنه فى موسوعة المعرفة "ص ٦٠٨" أنه من أسرة يهودية متوسطة، تحول أبوه المحامى إلى المسيحية سنة ١٨٢٤ م وعمدت أسرته كلها طبقا للبروتستانتية. درس القانون والتاريخ والفلسفة فى جامعات بون وبرلين، ونال الدكتوراه سنة ١٨٤١ م فى الفلسفة. ولما ذهب إلى فرنسا طرد منها لآرائه السياسية، فذهب إلى بروكسل، ولحق به "أنجلز" وكتبا البيان الشيوعى، فقامت الثورات فى أوروبا فهربا إلى ألمانيا، ثم انتهى ماركس إلى لندن وتوفى بها، ودفن في مقبرة " هاى جيت ".

أصدر ماركس وفريدريك أنجلز المتوفى سنة١٨٩٥ م هذا البيان سنة ١٨٤٨ م، الذى يحث جميع العمال على الاتحاد والاستيلاء بالقوة على جميع الأجهزة السياسية والاقتصادية.

وكان ماركس قد أصدر الجزء الأول من كتابه " رأس المال " سنة ١٨٦٧ م وهو أعظم وثيقة فى تاريخ الاشتراكية قامت على آثره ثورات كثيرة فى أنحاء أوروبا، ويعتبر إنجيل الثورة الشيوعية فى روسيا، التى كانت تعرف أولا باسم " البلشفية " وكان " لينين " و "تروتسكى" زعيما ثورة ١٩١٧ م من تلاميذه، والجزءان الآخران أتمهما "انجلز" ونشرا بعد موت ماركس ١٨٨٣ م.

تقوم الشيوعية على مبادئ تتصل بالدين والسياسة والاقتصاد والاجتماع، من أهمها:

١ - الكفر بالأديان ومكافحة سلطان الكنيسة بالذات، حيث كان هو السائد عند قيام الثورة، لقد قال ماركس، وهو فى سن الخامسة والعشرين كما يقول روجيه جارودى (مجلة الطليعة عدد أذار ١٩٧٠) إن الدين أفيون الشعب، فهو يزهد فى الدنيا ويزرع فى النفوس الخضوع للقضاء والقدر والرضا بالواقع وعدم الكفاح لتغييره مهما كانت قسوته، لقد كفر بالله على الرغم من أن أصله يهودى انتقلت أسرته إلى المسيحية، وقال " لينين "فى مؤتمر الشباب الشيوعى المنعقد فى ٢ من أكتوبر سنة ١٩٣٠ م: إننا معشر الشيوعيين لا نستمد قوانين الأخلاق والسلوك الاجتماعى من أوامر الدين، لأننا نخرج على جميع الأخلاق والآداب التى تنفصل عن المجتمع البشرى ونرى أنها خداع وتضليل. وجاء فى الموسوعة السوفياتية " الطبعة الثانية سنة ١٩٦٤ م مجلد ٢٢" أن القرآن من عند محمد ومن بعده، ويقول " أ.

سميرنواف " عضو المجمع العلمى وزعيم الدراسات الإسلامية فى الاتحاد السوفياتى فى كتابه " تاريخ الإسلام فى روسيا ": إن وجود محمد خرافة وكذلك هجرته " (الإسلام أقوى، تأليف جهاد قالعجى) .

وطالب الزعيم السوفياتى " ميخائيل جوربا تشوف " بشن حملة لا هوادة فيها ضد الدين فى الجمهوريات الإسلامية السوفيتية بوسط اَسيا، وقالت جريدة " برافدا فوستوكا " الناطقة باسم الحزب السوفيتى فى جمهورية " أوزباكستان ": إن تعليمات جوربا تشوف صدرت خلال اجتماع مع قادة الحزب فى طشقند وهو فى طريقه إلى الهند- موسكو-روتر- الأهرام فى ٢٩/ ١١ / ١٩٨٦ م.

٢- ديكتاتورية عامة الشعب " البروليتاريا " من أجل إيجاد مجتمع شيوعى، وعند عدم تهيؤ الشعب للسلطة ينوب عنه الحزب الشيوعى.

٣- ملكية وسائل الإنتاج: الأرض ورأس المال والعمل، لتكون للشعب عامة، والقضاء على الملكية الخاصة. ومناهضة الإقطاعيبن من النبلاء ورجال الكنيسة الذين يملكون الأرض بعبيدها، وكذلك مناهضة البورجوازيين الحائزين للأموال فى الثورات الصناعية والمتحكمين فى العمال. ويلزم ذلك إهدار كرامة الفرد والقضاء على حرية النقد.

٤ -تفسير التاريخ تفسيرا ماديا، بمعنى حتمية الصراع بين الطبقات ليقوم المجتمع الشيوعى، وإنكار أن تكون هناك سنن موضوعة من الدين للوجود، فلابد من أخذ الفقراء حقوقهم من الأغنياء بالصراع إنها حرب على الغنى ودعوة إلى الفقر باسم المساواة.

هذه هى أهم الأسس التى تقوم عليها الشيوعية. والأديان بوجه عام والإسلام بوجه خاص لا يقرها، وليس هو فى حاجة إليها، لما يوجد فيه من مبادئ تحقق الرخاء والتقدم للمجتمع فى ظل استقرار روحى ومودة وتكافل، ينبع من إحساس داخلى يغرسه الإيمان فى النفوس.

ولا يصح أن يقال عن الإسلام: إنه دين اشتراكى بالمعنى الموجود عند الغرب، فهو نظام متميز عن كل هذه الألوان المتعددة للاشتراكية، والحكم على دين أو مذهب يكون بالحكم على جميع أصوله ككل، فالمسلم الذى ينكر مبدأ واحدا من المبادئ الأساسية فى الدين لا يعد مسلما، وكذلك الشيوعى بالذات لا يعد شيوعيا إذا انكر مبدأ من مبادئها. ومن هنا لا يمكن أن يقال عن المسلم إنه شيوعى، لأنه إن أنكر دينه لا يكون مسلما بل كافرا، وإن أخذ ببعض مبادئ الشيوعية لا يكون شيوعيا حتى يأخذ بها جميعا.

ولسنا فى حاجة إلى مناقشة مبادئ الشيوعية، فالإسلام يرفضها جملة وتفصيلا، ذلك لأنه قائم على الإيمان بالله، ويكل ما جاء به الدين من الحيلة الآخرة والأمور المغيبة، ومن قضاء الله وقدره وتدبير خلقه على سنن حكيمة، ومن احترام الحقوق لجميع الناس من أغنياء وفقراء، ومن حل المنازعات عن طريق الصلح والقضاء، ومن الإسهام بقوة فى النهوض بالمجتمع من كل نواحيه الاقتصادية والسياسية والثقافية لتحقيق خيرية هذه الأمة وإسعادها فى الدنيا والآخرة على السواء، مع ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أساس الشورى والتناصح والتعاون، والاحتفاظ بكرامة الإنسان وصيانة حريته فى حدود المصلحة العامة، والأدلة على ذلك كثيرة فى القراَن والسنة وغيرهما من مصادر التشريع.

هذا، وقد جاء فى جريدة " الفاينا نشيال تايمز " (الأهرام ٣١\ ٨\ ١٩٨٥) أن القضاء على الملكية الخاصة لما كان مثبطا للهمم مساعدا على عدم المبالاة، قاضيا على روح التنافس لجأ الروس إلى العودة إلى احترام هذه الملكية بعد أن رأت العواقب الوخيمة من جراء القضاء عليها، فقد أفردت جريدة " إزفستيا " مساحة كبيرة لتجربة فسح المجال لقدر أكبر من الحافز الفردى فى مجال مشاريع الخدمات، وأشارت إلى تجربة تمت فى" استونيا " حيث سمح لرجال الصيانة بالاحتفاظ بمكاسب من عملهم فى أحد محلات إصلاح أجهزة التليفزيون، ليمولوا المشروع بأنفسهم، وظهر أن الجهاز الذى كان يستغرق إصلاحه قبل ذلك حوالى أسبوعين أصبح الآن يتم إصلاحه فى ثلاثة أيام على الأكثر، كما قام العمال بإصلاح إدارى لجذب الزبائن إلى المحل، وقد ارتفعت أرباح المشروع بنسبة من ١٠ - ١٥% عن ذى قبل وجاء فى أهرام ٤/ ١\ ١٩٨٧ نقلا عن "النيو يورك تايمز"وفى أهرام ١٧ / ٣ /١٩٨٧م نقلا عن " الهيرالد تريبيون " بعنوان كارل ماركس.

يقول ماركس: إن الدين هو آفة الإنسان المقهور، وأن الدين أيضا هو أفيون الشعوب، وكان الأفيون معروفا فى المانيا حينذاك بأنه قاتل الألم.

وفيه: ومن أجل الإعداد للثورة يجب إزاحة التأثير المخدر للدين وترك الطبقة العاملة تعانى حتى يصل الألم إلى درجة لا يمكن احتمالها، وحينئذ سيأتى الشفاء على يد الشيوعية. فالقضاء على الدين هو الشرط الأول لسعادة الشعب وعلى نهجه سار لينين. لكن بدأ تغيير فى تعليم الملحدين فى عهد جورباتشوف، فظهر فى الصحف رسائل تقول:إن لم تكف السلطات السوفيتية عن محاربة الدين فإن إدمان الخمور لن يتوقف، أصبحت الفودكا هى المهرب من المعاناة، وذلك يهدد الإنتاج ويهدد الأسر بالانهيار، لقد أصبحت الشيوعية هى الإله الذى فشل فى توفير الخبز لعباده.

راجع:

١-الشيوعية والإنسانية فى الإسلام، لعباس العقاد.

٢ - نظرات إسلامية فى الاشتراكية الثورية، للدكتور معروف الدواليبى.

٣-طبقية المجتمع الأوروبى وانعكاس آثارها على المجتمع الإسلامى المعاصر، للدكتور محمد البهى.

٤ -الاشتراكية العربية، للعميد سيد عبد الحميد مرسى، وعبد الرحمن عبد المتعال.

٥ -الإسلام أقوى، لجهاد قلعجى.

٦ -المحاضرات الثقافية بقاعة محمد عبده بجامعة الأزهر سنة ١٩٥٩ م.

٧-موسوعة المعرفة.

٨ - الفتاوى الإسلامية. المجلد ٤ ص ١٣٦٧، المجلد ٧ ص ٢٦٥٥.

٩- آخر ساعة فى ٢٠/٨/ ١٩٧٥ م.

١٠ - الماركسية بين النظرية والتطبيق، للدكتور عبد المنعم النمر

<<  <  ج: ص:  >  >>