للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التسمية عند الذبح]

المفتي

عطية صقر.

مايو ١٩٩٧

المبادئ

القرآن والسنة

السؤال

هل يشترط عند الذبح أن نسمِّى الله أو نذكره، وما هو الحكم لو نسينا ذلك؟

الجواب

قال الله تعالى {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه} المائدة: ٤.

٢ -وقال {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف} الحج: ٣٦.

٣ - وقال {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} الأنعام:

١٢١.

٤ -وقال {قل لا أجد فيما أوحى إلىَّ محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به} الأنعام: ١٤٥.

٥ - وقال النبى صلى الله عليه وسلم " إذا أرسلت كلبك المُعلَّم وذكرت اسم الله تعالى فكل، وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل، فأنت إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك " رواه البخارى ومسلم.

٦ -وسألت السيدة عائشة رضى الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن قوما يأتوننا بلحوم فلا ندرى أسموا أم لم يسموا، فقال "سموا أنتم وكلوا" رواه البخارى.

فى الآية الأولى الأمر بذكر الله على الصيد، وفى الآية الثانية الأمر بذكر الله على البدن، وهى الهدى الذى يساق للذبح فى الحرم، وفى الآية الثالثة النهى عن الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، لأنه فسق وفى الآية الرابعة حرمة أكل الفسق الذى أهل لغير الله به، وفى الحديث الأول النهى عن الأكل من الصيد الذى لم يسم عليه، وفى الحديث التالى تسمية من يأكل على ما لا يدرى هل سمَّى الذابح عليه أو لم يسم.

إزاء هذه النصوص اختلف فقهاء المذاهب الأربعة فى حكم التسمية عند الذبح وعند الصيد.

١-فالحنفية قالوا إن التسمية واجبة ولو تركت عمدا لا تحل الذبيحة ولا الصيد، وإن تركت نسيانا حل الأكل منهما، واستدلوا بالآيتين الأولى والثانية الآمرتين بذكر اسم الله، وحملوا الأمر على الوجوب، بدليل النهى عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه فى الآية الثالثة، ويؤكد أن النهى للتحريم وصفه بأنه فسق فى الآية نفسها. وكذلك تحريم الفسق فى الآية الرابعة ووصفه بأنه ما ذكر اسم غير الله عليه، ومثل ذكر اسم غير الله عدم ذكر اسم الله فالمحرم ما لم يذكر اسم الله عليه أصلا، أو ذكر اسم غيره.

وإنما تجاوزوا عن ترك التسمية نسيانا لأن الناسى للتسمية كالذاكر لها، مثل ذلك مثل نية الإمساك عن المفطرات فى الصيام. فلو تركها عمدا بطل صيامه، ولو تركها نسيانا لم يبطل، لكن يعترض على قولهم بحرمة الأكل مما لم يسم عليه بعدم تحريم النبى صلى الله عليه وسلم لذبائح الأعراب وأمر من يأكل بالتسمية فدل على أنها ليست شرطا فى الذبح، وردوا عليه بتعذر معرفة الذابح هل سمى أو لم يسم، ولعل سؤال السيدة عائشة عن ذلك يشعر بأن الأكل بدون تسمية الذابح حرام، ولو كان حلالا ما سألت النبى صلى الله عليه وسلم.

ب -والشافعية قالوا: إن التسمية عند الذبح والصيد ليست واجبة ولكنها سُنة، لو تركت عمدًا أو سهوا حل الأكل، والواجب هو عدم ذكر اسم غير الله، واستدلوا بالآية الرابعة التى وصف فيها بالفسق بأنه ما لهل لغير الله به، أى ذكر عليه اسم غير الله، وكذلك بقوله تعالى فى سوره المائدة {ذلكم فسق} بعد ذكر المحرمات ومنها {وما أهل لغير الله به} لكن يعترض عليهم بأن الله وصف بالفسق ما لم يذكو اسم الله عليه فى الآية الثالثة، وأجابوا بأن ما لم يذكر اسم الله عليه صادق بعدم ذكر اسمه أصلا، وبذكر اسم غيره، فيحمل المعنى الذى جاء فى نص واحد-إلى المعنى الذى جاء فى نصين.

واستدل الشافعية أيضا بقوله تعالى فى المحرمات المذكورة فى سورة المائدة:٣ {وما أكل للسبع إلا ما ذكيتم} حيث علق حل الأكل على التذكية وهى الذبح ولم يشترط فيها التسمية، كما استدلوا بقوله تعالى {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} المائدة: ٥، حيث لم يشترط للحل التسمية باسم الله.

واستدلوا أيضا بحديث عائشة حيث لم يحكم النبى بحرمة اللحوم الواردة مع الناس لعدم ذكرهم اسم الله، وإنما ارشد من يأكل للتسمية، والأكل غير الذابح لا يقوم مقامه.

ثم أجاب الشافعية على الأمر بالتسمية الواردة فى النصوص بأنه للندب لا للوجوب، فخلاصة مذهبهم أن التسمية سنة لو تركت عمدًا أو سهوًا لا يحرم الأكل من المذبوح أو المصيد، وإنما المحرم ما ذكر اسم غير الله عليه.

ج -والمالكية عندهم قولان، أصحهما كمذهب الحنفية فى وجوب التسمية وعدم حل ما تركت التسمية عليه عمدا، وحل ما تركت التسمية عليه نسيانا، والقول الثانى كمذهب الشافعية فى أن ترك التسمية عمدا أو سهوا لا يحرم الذبيحة والمصيد.

د-والحنابلة قالوا بوجوب التسمية كالحنفية، وعدم حل ما تركت التسمية عليه عمدا أو جهلا، أما إن تركت سهوا فيحل الأكل.

وإليك بعض النصوص الفقهية فى الكتب الجامعة.

جاء فى"المجموع " للنووى ج ٨ ص ٤١ (فرع) فى مذاهب العلماء فى التسمية على ذبح الأضحية وغيرها من الذبائح، وعلى إرسال الكلب والسهم وغيرهما إلى للصيد. مذهبنا - أى الشافعية- أنه سنة فى جميع ذلك، فإن تركها سهوا أو عمدا حلت الذبيحة ولا إثم عليه. قال العبدرى: وروى هذا عن ابن عباس وأبى هريرة وعطاء.

وقال أبو حنيفة: التسمية شرط مع الذكر دون النسيان، وهذا مذهب جماهير العلماء، وعن أصحاب مالك قولان، أصحهما كمذهب أبى حنيفة، والثانى كمذهبنا انتهى.

ويعلم من هذا النقل أن الجمهور يقول بوجوب التسمية وتركها نسيانا لا يضر، ومذهب الشافعية أيسر، فإنهم لا يحرمون إلا ما ذكر عليه اسم غير الله.

هذا، والكتابى - أى اليهودى والنصرانى - كالمسلم فى هذا الحكم، فلو ذكر اسما غير اسم الله حرمت ذبيحته لكن محله إذا تأسنا انه فعل ذلك، فإن لم نتأكد فلا حرمة فيما يذبحه.

أما الكافر الذى يجحد وجود الله، والمشرك الذى يشرك معه غيره فذبيحتهما حرام، وقد يقال: إن الله حكم على النصارى - وهم أهل الكتاب -بأنهم كفار، كما قال تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} المائدة: ٧٢، وكما قال فى الآية التالية لها {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} والجواب أن الله استثناهم من الكفار فى حل ذبائحهم وحل الزواج من نسائهم. ولو قال النصرانى عند الذبح: باسم المسيح أو باسم الأب والابن والروح القدس، قال بعض العلماء: تحرم ذبيحته، وقال بعض آخر: تحل ذبيحته، لأن الله حين أحل طعام أهل الكتاب كان يعلم أنهم يقولون إنه المسيح ابن مريم وإنه ثالث ثلاثة، وقد يقولون ذلك عند الذبح، فهم مستثنون من الكفار والمشركين. قال بذلك عطاء والزهرى وربيعة والشعبى ومكحول وروى عن صحابيين هما أبو الدرداء وعبادة بن الصامت.

هذا هو حكم الكتابى الذي يدين بدين سماوى نزل به كتاب، أما الكافر الذى لا يؤمن بدين، أو المشرك الذى يجعل مع الله إلها آخر فإن ذبيحته حرام كما تقدم.

ومن هذا نعلم أن الذى يزور بلدًا غير إسلامى، أو يعيش فيه يجوز أن يأكل من اللحم الذى يقدم إليه إن كان هذا البلد يدين باليهودية أو النصرانية، ولا يجوز إن كان هذا البلد لا دينيًّا.

ومنه يعلم أيضا حكم اللحوم المستوردة من هذه البلاد إن كانت مذبوحة أو معلَّبة فيكتفى بما يكتب على غلافها أنها ذبحت على الطريقة الإسلامية، والغالب أنها لا تستورد إلا بمعرفة مختصين مسلمين، وأن المصدِّرين يحاولون أن يكون الذبح حلالاً ليضمنوا تسويق منتجاتهم فيكون الذبح لمن يرى المسلمون حل ذبحه.

وإذا حدث غش فى الغلاف المكتوب وعلمنا حرم الأكل فإن لم نعلم فلا مانع من الأكل (راجع ص ٢٦٨ من المجلد الأول من هذه الفتاوى)

<<  <  ج: ص:  >  >>