للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[١٤- نصب الفاعل]

هذه شبهة خفيفة الوزن، تدل على أمرين راسخين فيهم:

الأول: جهلهم الفاضح بقواعد اللغة العربية.

الثانى: تهافتهم الأعمى على تصيُّد الشبهات، والبحث عن العيوب والنقائص.

منشأ هذه الشبهة:

هو قوله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إنى جاعلك للناس إماماً، قال: ومن ذريتى قال لا ينال عهدى الظالمين) (١) .

اطلعوا على هذه الآية فى المصحف الشريف، ووقع بصرهم على كلمة " الظالمين " وصورت أوهامهم أن فيها خطأً نحوياً؛ لأنها عندهم فاعل، والفاعل حكمه الرفع لا النصب، فكان حقه أن يكون هكذا.

لا ينال عهدى الظالمون، لأنه جمع مذكر سالم، وعلامة رفعه " الواو " وبهذا تخيلوا، بل توهموا أن القرآن لا سمح الله قد أخطأ فنصب الفاعل " الظالمين " ولم يرفعه " الظالمون "؟! هذا هو منشأ هذه الشبهة.

الرد على الشبهة:

الفعل " نال " فعل متعدٍ إلى مفعول واحد، قال الله تعالى:

(ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً) (٢) .

الفاعل " واو الجماعة " والمفعول " خيراً ".

أما فى هذه الآية التى اتخذوها منشأ لهذه الشبهة " لا ينال عهدى الظالمين " فالفاعل هو " عهدى "، مرفوع بضمة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل (٣) بحركة المناسبة ل " ياء " المتكلم، والمفعول به هو " الظالمين " وعلامة نصبه هى " الياء " لأنه جمع مذكر سالم، ينصب ويجر ب " الياء " والمعنى: لا ينفع عهدى الظالمين. ومجئ " الظالمين " منصوباً هو قراءة الجمهور من القراء.

وليس فى مجئ " الظالمين " منصوباً على المفعول به خلاف بين العلماء. بل إنهم نصوا على أن خواص الفعل " نال " أن فاعله يجوز أن يكون مفعولاً، ومفعوله يجوز أن يكون فاعلاً، على التبادل بينهما، قالوا: لأن ما نالك فقد نلته أنت.

وقد جاء قوله تعالى: (لن ينال الله لحومُها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) (٤) .

على خلاف نسق آية البقرة، التى نحن بصدد الحديث عنها. حيث كان الوالى للفعل فيها هو الفاعل " لا ينال عهدى والواقع بعد الفاعل هو المفعول " الظالمين ".

أما فى آية الحج فإن الذى ولى الفعل " لن ينال الله " هو المفعول، وما بعده هو الفاعل " لحومُها ".

والمعنى: لن يصل الله لحومُها ولا دماؤها، وكذلك قوله " ولكن يناله التقوى منكم " فالضمير فى " يناله " هو المفعول به، أما " التقوى " فهى الفاعل.


(١) البقرة: ١٢٤.
(٢) الأحزاب: ٢٥.
(٣) المحل هنا هو " الدال " من " عهدى ".
(٤) الحج: ٣٧.

<<  <   >  >>