للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٢٢- الإتيان بجمع قلة فى موضع جمع الكثرة]

منشأ هذه الشبهة:

أما منشأ هذه الشبهة فهو قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياماً معدودات) (١) .

والشاهد ـ عندهم ـ هو قوله عز وجل " معدودات " لأنهم يفهمون جهلا ـ أن " معدودات " جمع قلة، وأن " معدودة " جمع كثرة، وأيام الصيام فى شهر رمضان ثلاثون يوماً. فهى أيام كثيرة يناسبها جمع الكثرة عندهم وهو " معدودة " ولكن القرآن أخطأ فوضع كلمة جمع قلة عندهم، موضع " معدودة " وهى جمع كثرة عندهم كما تقدم. ثم عقبوا على هذا فقالوا " وكان يجب أن يجمعها جمع كثرة، حيث أن المراد جمع كثرة، عدته ثلاثون يوماً، فيقول: " أياماً معدودة ".

الرد على الشبهة:

سبق أن عدوا الأربعين جمع قلة، وهنا جزموا بأن الثلاثين يوماً الرمضانية، أو التسعة والعشرين يوماً جمع كثرة، وأن القرآن أخطأ مرة أخرى حين عبَّر عنها بجمع القلة " معدودات " أليست هذه نادرة من نوادر الدهر؟ كيف تكون الأربعون أقل من الثلاثين أو التسعة والعشرين؟ هل هذا يصدر عن عاقل على وجه الأرض؟

وما عدوه خطأً فى هذه الآية، وهو قوله تعالى: " معدودات " فهو عين الصواب لغة وبياناً، وقد أشرنا من قبل إلى أن معاملة غير العاقل معاملة العاقل أسلوب بلاغى رفيع المستوى، وهو عند البلاغيين استعارة، شبه فيها غير العاقل بالعاقل لداعٍ بلاغى، يراعيه البليغ فى كلامه.

وكلمة " معدودات " فى وصف أيام الصيام أتى بها القرآن لخصوصية بيانية، هى تعظيم شأن تلك الأيام، حتى لكأنها لرفعة منزلتها عند الله عز وجل صارت من ذوى العقول، وهى أوقات لا روح فيها كالأحياء العاقلين.

فليس المدار فيها اعتبار قلة، أو كثرة، بل المراد التنويه بفضلها، وعلو منزلتها عند الله تعالى.

أما القلة فتفهم من سياق الكلام، الذى حدد أيام الصيام بالشهر الواحد:

(شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه) (٢) .

ولهذا التنزيل مواضع أخرى كثيرة فى القرآن الكريم وحسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق.


(١) البقرة: ١٨٣-١٨٤.
(٢) البقرة: ١٨٥.

<<  <   >  >>