للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٣٧- حول عصيان إبليس وهو من الملائكة الذين لا يعصون الله]

يؤكد القرآن أنه لا يمكن للملائكة أن تعصى الله [التحريم: ٦] ومع ذلك فقد عصى إبليس الذى كان من الملائكة، كما فى الآية [البقرة: ٣٤] فأيهما صحيح؟. (انتهى) .

الرد على الشبهة:

الملائكة مخلوقات مجبولة على طاعة الله وعبادته والتسبيح له وبه.. فهم لا يعصون الله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) (١) .

ومع تقرير هذه الآية أن هؤلاء الملائكة القائمين على النار [لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون] يقرر القرآن الكريم أن إبليس ـ وهو من الملائكة ـ فى قمة العصيان والعصاة: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) (٢) .

وهناك إمكانية للجمع بين معانى الآيتين، وذلك بأن نقول: إن عموم الملائكة لا يعصون الله ـ سبحانه وتعالى ـ فهم مفطورون ومجبولون على الطاعة.. لكن هذا لا ينفى وجود صنف هم الجن ـ ومنهم إبليس، شملهم القرآن تحت اسم الملائكة ـ كما وصف الملائكة أيضًا بأنهم جِنَّة ـ لخفائهم واستتارهم ـ وهذا الصنف من الجن، منهم الطائعون ومنهم العصاة..

وفى تفسير الإمام محمد عبده [١٢٦٥ ـ ١٣٢٣هـ،١٨٤٩ ـ ١٩٠٥م] لآية [لبقرة: ٣٤] يقول:

" أى سجدوا إلا إبليس، وهو فرد من أفراد الملائكة، كما يفهم من الآية وأمثالها فى القصة، إلا آية الكهف فإنها ناطقة بأنه كان من الجن.. وليس عندنا دليل على أن بين الملائكة والجن فصلاً جوهريًا يميز أحدهما عن الآخر، وإنما هو اختلاف أصناف، عندما تختلف أوصاف. فالظاهر أن الجن صنف من الملائكة. وقد أطلق القرآن لفظ الجنَّة على الملائكة، على رأى جمهور المفسرين فى قوله تعالى: (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) (٣) . وعلى الشياطين فى آخر سورة الناس " (٤) .

ونحن نجد هذا الرأى أيضًا عند القرطبى ـ فى تفسيره [الجامع لأحكام القرآن] فيقول:

" وقال سعيد بن جبير: إن الجن سِبْط من الملائكة، خلقوا من نار، وإبليس منهم، وخُلق سائر الملائكة من نور.. والملائكة قد تسمى جنا لاستتارها. وفى التنزيل: (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) (٥) وقال الشاعر أعشى قيس ـ فى ذكر سليمان ـ عليه السلام:

وسَخَّر من جنّ الملائكة تسعة قيامًا لديه يعملون بلا أجر (٦) .

فلا تناقض إذًا بين كون الملائكة لا يعصون الله.. وبين عصيان إبليس.. وهو من الجن، الذين أطلق عليهم اسم الملائكة ـ فهو مثله كمثل الجن هؤلاء منهم الطائعون ومنهم العصاة.


(١) التحريم: ٦.
(٢) البقرة: ٣٤.
(٣) الصافات: ١٥٨.
(٤) [الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده] ج٤ ص ١٣٣، دراسة وتحقيق. د. محمد عمارة، طبعة دار الشروق. القاهرة ١٤١٤هـ ١٩٩٣م.
(٥) الصافات: ١٥٨.
(٦) [الجامع لأحكام القرآن] ج١ ص٢٩٤، ٢٩٥ مصدر سابق.

<<  <   >  >>