للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يَا رَسُول الله إِن ابْنَتي توفّي عَنْهَا زَوجهَا وَقد اشتكت عينهَا، أفنكحلها؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "لَا" مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، كل ذَلِك يَقُول: "لَا". ثمَّ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَة أشهر، وَعشر، وَقد كَانَت إحداكن فِي الْجَاهِلِيَّة ترمي بالبعرة على رَأس الْحول"، فَقَالَت زَيْنَب: كَانَت الْمَرْأَة إِذا توفّي عَنْهَا زَوجهَا دخلت حفشا، ولبست شَرّ ثِيَابهَا، وَلم تمس طيبا، وَلَا شَيْئا، حَتَّى تمر عَلَيْهَا سنة، ثمَّ تُؤْتى بِدَابَّة حمَار أَو طير، أَو شَاة، فتفتض بِهِ"١، فقلما تفتض بِشَيْء إِلَّا مَاتَ، ثمَّ تخرج فتعطى بَعرَة فترمي بهَا، ثمَّ تراجع بعد مَا شَاءَت من طيب أَو غَيره٢.

فَهَذَا الحَدِيث الشريف يصور لنا وَاقع الْمَرْأَة المرير فِي الْجَاهِلِيَّة، ومدى الإهانة الَّتِي كَانَت تعيش فِيهَا، ثمَّ أكرمها الله تَعَالَى، وأعزها بِنِعْمَة الْإِسْلَام الخالدة، وَأَعْطَاهَا حُقُوقهَا الْمَشْرُوعَة كَامِلَة دون شطط، وَلَا نقص، رَحْمَة بهَا، وشفقة عَلَيْهَا، ولأول مرّة فِي التَّارِيخ الإنساني الطَّوِيل نَالَتْ الْمَرْأَة مَا نَالَتْ من عز مَفْقُود، واحترام متزايد، ومنزلة سامية كَرِيمَة، وَكَانَت حَال الْمَرْأَة الغربية فِي الْجَاهِلِيَّة أدهى وَأمر من حَال الْمَرْأَة الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا، وَلَقَد سعى الْأَعْدَاء جاهدين إِلَى إخفاء مزايا الْإِسْلَام مُنْذُ أول يَوْم جَاءَ فِيهِ يخرج الإنسانية الضائعة من ظلام دامس إِلَى نور الْحُرِّيَّة الْحَقِيقِيَّة، وَإِلَى مبادئ عادلة، وعالية رفيعة مثالية لم تشهدها الإنسانية فِي جَمِيع العصور، فَوضع هَؤُلَاءِ الْأَعْدَاء بمكرهم الْخَبيث وحيلهم الماكرة، وطرقهم الملتوية تِلْكَ المناهج البالية الخبيثة فِي التربية والثقافة الَّتِي لم تتفق أبدا بِحَال من الْأَحْوَال مَعَ فطْرَة الْإِنْسَان الْحر الْكَرِيم، نعم تِلْكَ المناهج الَّتِي تكلم عَنْهَا مفكرو الْمُسلمين حَدِيثا وقديما، وعَلى رَأْسهمْ الدكتور مُحَمَّد إقبال المفكر الإسلامي الْكَبِير فكشف عَن خباياها، وزواياها، تكلم عَنْهَا بتفكير عميق، وإطناب مُفِيد، فِي كتبه، ورسائله، ومقالاته، وَنبهَ الْأمة الإسلامية إِلَى مَا خططه الغرب المادي من تخطيط خطير، من السيطرة التَّامَّة على الْعَالم الإسلامي من جَمِيع النواحي الحساسة، نعم كَانَت تِلْكَ المناهج التعليمية والتربوية الَّتِي وَضعهَا


١ أَي تكسر مَا هِيَ فِيهِ من الْعدة بِأَن تَأْخُذ طائرا فتمتسح بِهِ وتنبذه فَلَا يكَاد يعِيش، قَالَه ابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة ٤٥٤/٣، نقل عَنهُ الفيروزآبادي فِي الْقَامُوس هَذِه الْمَادَّة ٣٤٠/٢، والحافظ فِي الْفَتْح ٤٨٩-٤٩٠/٩، والفتني فِي مجمع بحار الْأَنْوَار ١٤٧-١٤٨/٤، والسيوطي فِي تنوير الحوالك ٤٠/٢، وَجَاء شرح هَذِه الْكَلِمَة فِي الْمُوَطَّأ ٤٠/٢، وَالنَّسَائِيّ فِي السّنَن نقلا عَن مَالك ٢٠٢/٦ بِمَا قَالَه ابْن الْأَثِير.
٢ أخرجه فِي الطَّلَاق ٤٧، ٤٦ والطب ١٨ (الطَّلَاق ٤٣، وت الطَّلَاق ١٨، ن الطَّلَاق ٥٥، ٦٣ ٦٧، جه الطَّلَاق ٣٤، ط الطَّلَاق ١٠١، حم ٢٩٢/٦، ٣١١/٦) .

<<  <   >  >>