للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مالقة فِي سنة ٥٩٢. وَكَانَ فِي قَضَائِهِ عدلا، مهيباً، جزلاً، فَإِذا انْفَصل من مجْلِس الحكم، صَار من أَلين النَّاس جانباً، وَأَحْسَنهمْ خلقا، وَأَكْثَرهم تواضعاً، وَكَانَ مُحدثا جَلِيلًا فَاضلا؛ أَخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم أَبُو مَرْوَان بن قزمان، وَأَبُو عَليّ بن سهل الْخُشَنِي، وَابْن مُحرز، وَابْن النِّعْمَة؛ وَمن أهل الْمشرق عَن السلَفِي، والعثماني، وَابْن عَوْف، وَغَيرهم. وَقد كَانَ ولي الْقَضَاء قبل مالقة بجهات شَتَّى من الأندلس، مِنْهَا برجة؛ فَكَانَ ينشد، إِذا ذكرهَا أَو شَاهد أحدا من هلها. إِذا جِئْت برجه مستطلعاً ... فحط بهَا الرحل وَأنس السّفر وَلَا تَبْغِ مِنْهَا خُرُوجًا وَلَا ... دُخُولا إِلَيْهَا فَذَاك الحذر فَكل مَكَان بهَا جنَّة ... وكل طَرِيق إِلَيْهَا سقر وَتُوفِّي القَاضِي أَبُو بكر رَحمَه الله! بغرناطة إِثْر انْفِصَاله من مالقة، وَذَلِكَ فِي عَام ٦٠٢.

ذكر القَاضِي ابْن رشد الْحَفِيد

وَمن الْقُضَاة بقرطبة، مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم أَحْمد بن أبي الْوَلِيد مُحَمَّد بن أَحْمد بن رشد، يكنى أَبَا الْوَلِيد. وَهُوَ حفيد أبي الْوَلِيد قَاضِي الْجَمَاعَة بقرطبة، صَاحب كتاب الْبَيَان والتحصيل. كَانَ من أهل الْعلم والتفنن فِي المعارف. قَالَ ابْن الربير: أَخذ النَّاس عَنهُ، واعتمدوا عَلَيْهِ، إِلَى أَن شاع عَنهُ مَا كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ فِي علومه من اخْتِيَار الْعُلُوم الْقَدِيمَة، والركون إِلَيْهَا. ثمَّ قَالَ: فَترك النَّاس الْأَخْذ عَنهُ، وَتَكَلَّمُوا، وَمِمَّنْ جاهده بالمنافرة والمجاهرة، القَاضِي أَبُو عَامر يحيى بن أبي الْحسن بن ربيع، وَبَنوهُ. وامتحن بِسَبَب ذَلِك. وَمن النَّاس من تعامى عَن حَاله، وَتَأَول مرتكبه فِي انتحاله. وَتُوفِّي حُدُود سنة ٥٩٨. وَمن تواليفه كتاب الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة، وَكتاب مناهج الْأَدِلَّة فِي الْكَشْف عَن عقائد الْملَّة، وَشرح الحمدانية فِي الْأُصُول، والكليات فِي الطِّبّ، وَشرح رجز ابْن سينا، وَكتاب فصل الْمقَال، فِيمَا بَين الفلسفة والشريعة من الِاتِّصَال وَغير ذَلِك.

<<  <   >  >>