للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قومه، وَقطع فِي معرض الثَّنَاء عَلَيْهِم سَواد ليلته وَبَيَاض يَوْمه، حَتَّى وَقع فِي التشطيط، وأتى بالغريب من التخطيط؟ وَلَو أَخذ بالإمساك عَن ذَلِك كُله، لَكَانَ من الأجمل بِمثلِهِ {وَالْجَوَاب أَنِّي مَا رسمت من أسمائهم، إِلَّا بعض مَا علمت من أنبائهم، وأثبتته الْأَئِمَّة فِي مصنفاتهم، ودفاتر مروياتهم؛ وَمن دَاخله ريب فِي محصوله، فليحققه، إِن شَاءَ من أُصُوله} وَبِالْجُمْلَةِ، فَإِذا كَانَ ذكر الْأَمْوَات بِالْخَيرِ من الْأَجَانِب، فضلا عَن الْأَقَارِب، قد تعين شرعا، وَاسْتحْسن طبعا، وَتبين أَنه على الْخَيْر من آكِد الْحُقُوق، وَأَن الإضراب عَن إثْبَاته فِي مَحَله ضرب من العقوق؛ فَلَا لوم على مثلي، فِي الْإِخْبَار عَن قومه، بِمَا يَدْعُو إِلَى الترحم على أمواتهم، وَيبْعَث على الِاعْتِبَار فِي طوارق أوقاتهم، والمحن الَّتِي أصيبوا بهَا أَيَّام حياتهم. وَلَو ذهبت إِلَى التَّعْرِيف بجملة من يرجع إِلَى عَمُود نسبى فِي هَذَا الدِّيوَان، وَشرح مَا حدث لَهُم من النَّوَازِل فِي ماضي الزَّمَان، لَخَرَجت عَن الْحَد الَّذِي قصدته من الِاخْتِصَار؛ فَلذَلِك اقتصرت من القَوْل على هَذَا الْمِقْدَار تجَاوز الله عَن الْجَمِيع؛ وَختم لنا بِخَير؛ وَسَار بِنَا فِي الطَّرِيق الَّتِي لَا بُد من سلوكها أوطا سير، بمنّه وفضله!

ذكر القَاضِي مُحَمَّد بن حسن بن صَاحب الصَّلَاة

وَمن الْقُضَاة فِي الْمِائَة السَّابِعَة، مُحَمَّد بن حسن بن مُحَمَّد بن صَاحب الصَّلَاة الْأنْصَارِيّ المالقي، من أهل الْعلم، وَالْعدْل، وَالدّين، وَالْفضل؛ لَهُ رحْلَة إِلَى الْمشرق، روى فِيهَا عَن أَعْلَام أهل الْعلم؛ ثمَّ عَاد إِلَى الأندلس، فاستقضى بالحصون الغربية من بَلَده؛ فحمدت سيرته، وشكرت طَرِيقَته. ثمَّ ولي الصَّلَاة وَالْخطْبَة بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع دَاخل مالقة، عَن رَغْبَة فِيهِ، واجتماع عَلَيْهِ. وَكَانَ رجلا صَالحا، مزهداً، كثير الْحيَاء؛ فاتفق لَهُ، فِي أول عيد خطب فِيهِ، أَن افْتتح التَّحْمِيد؛ فَلَمَّا رَمق النَّاس ببصره، غلب عَلَيْهِ الخجل، وضعفت قواه، وخانته رِجْلَاهُ، فَقعدَ؛ وأقيم غَيره. وَكَانَ فَقِيها حَافِظًا، مقرئاً، متفنناً. وَاسْتشْهدَ فِي وقْعَة الْعقَاب، الكائنة على الْمُسلمين فِي أَيَّام مُحَمَّد بن يَعْقُوب من الْمُوَحِّدين؛ وَذَلِكَ يَوْم الِاثْنَيْنِ الْخَامِس عشر من شهر صفر سنة ٦٠٩. وَذكر عَنهُ من الثَّبَات، والحضّ على حُصُول الشَّهَادَة، وَالرَّغْبَة فِي المجاهدة، مَا دلّ على حسن نِيَّته،

<<  <   >  >>