للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلَان. وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ الثَّابِت فِي الصَّحِيح الَّذِي نَصه: لَو يُعْطي النَّاس بدعواهم، لأدعى نَاس دِمَاء رجال وَأَمْوَالهمْ. قَالُوا: وبخصوص فِي هَذِه النَّازِلَة، لما اقْترن بهَا من الْأَسْبَاب المرجحة للانتقال عَن الْمَذْهَب، وَذكروا مَسْأَلَة عبد الله بن سهل وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وداه من عِنْده بِأَنَّهُ ثِقَة. فَمَال السُّلْطَان إِلَى موافقتهم، وَأَن تكون الغرامة من قبله؛ ولاكنه قَالَ لقاضيه: مَا عنْدك فِيمَا اجْتمع عَلَيْهِ أَصْحَابك؟ فَقَالَ لَهُ: أمدك الله بإرشاده، وأراك الْحق حَقًا، وأعانك على اتِّبَاعه} أَنْت مالكي الْمَذْهَب، وَأهل بلادك كَذَلِك، والانتقال من مَذْهَب إِلَى مَذْهَب آخر لَا يسوغ إِلَّا بعد شُرُوط لم يحصل فِي نازلتها مِنْهَا شَرط وَاحِد {وَحَدِيث الْقسَامَة أصل من أصُول الشَّرْع، وركن من أَرْكَان مصَالح الْعباد: وَبِه أَخذ جلّ الْأَئِمَّة وَالسَّلَف من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وفقهاء الْأَمْصَار. وَالَّذِي يجمل بك، أَيهَا الْملك، إمرار الْحق بِوَجْهِهِ، وَلَو كَانَ على نَفسك، فضلا عَن ابْن عمك} قَالَ: فَأخذ بِرَأْي قاضيه، وَأمر بِابْن عَمه؛ فَدفع بِذِمَّتِهِ إِلَى أَصْحَابه؛ فَقَتَلُوهُ بالقسامة. قَالَ الْمخبر: فَحسب النَّاس مَا صدر فِي النَّازِلَة عَن الْأَمِير وَالْقَاضِي من المناقب الشَّرِيفَة، والمآثر الحميدة، وَالْأَفْعَال الدَّالَّة على تَعْظِيم الشَّرِيعَة.

ذكر القَاضِي أبي عبد الله الْمقري التلمساني

وَقد تقدم الْإِلْمَام بِطرف من التَّنْبِيه على الْفَقِيه أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمقري التلمساني، أحد قُضَاة بِحَضْرَة فاس أَيَّام خلَافَة أبي عنان رَحمَه الله ومهدها {وَكَانَ هَذَا الْفَقِيه رَحمَه الله} فِي غزارة الْحِفْظ، وَكَثْرَة مَادَّة الْعلم، عِبْرَة من العبر، وَآيَة من آيَات الله الْكبر؛ قَلما تقع مَسْأَلَة إِلَّا وَيَأْتِي بِجَمِيعِ مَا للنَّاس فِيهَا من الْأَقْوَال ويرجح ويعلل، ويستدرك ويكمل؛ قَاضِيا مَاضِيا، عدلا جذلاً؛ قَرَأَ بِبَلَدِهِ على الْمدرس أبي مُوسَى عمرَان المشدالي صهر أبي عَليّ نَاصِر الدّين، وعَلى غَيره؛ وَقَامَ بوظائف الْقَضَاء أجمل قيام. ثمَّ إِنَّه كره الحكم بَين النَّاس، وتبرم من حمل أَمَانَته، ورام الْفِرَار عَنهُ بِنَفسِهِ؛ فتنشب فِي انتظامه، وَتوجه عَلَيْهِ الْإِنْكَار من

<<  <   >  >>