للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسأل عنه من المحال الذى لا يكون. كما قضى تطور الحياة بوجود ما لم يكن موجودا من مسائل الشروط‍ والوثائق، ومسائل المحاضر والسجلات، والتوسع فى تفريع الأحكام ببعض الأبواب كالوقف وتصرفات المأذون وأشباهها. فازداد اتساع نطاق الفقه فى النصف الثانى من هذا الطور اتساعا عظيما حتى قالوا فيما بعد ان من العلوم ما نطج حتى احترق وهو علم الفقه.

والكلام فى أصول الدين كان من قبل على أضيق نطاق، ثم أخذ يزداد حتى وجد ما يسمى علم الكلام، وقامت بشأنه مجادلات ومناظرات كان مركزها البصرة والكوفة وكان له أهله وحلقاتة، كما كانت للفقه حلقاته.

ثم كان هناك أيضا القصص والقصاصون وكانوا أولا من خيرة العلماء كالحسن البصرى ثم إنحدر أمر القصص وتولاه المرتزقة وواضعو الحديث وكانت له حلقات أيضا، وهنا ظهر التخصص واضحا وكانت لكل ناحية رجالها، واختص المتفرغون للأحكام الفقهية باسم الفقهاء.

وفى عهد فقهاء الأمصار كان التدوين، فدونت المذاهب الجماعية، إذ دون مذهب كل أستاذ مع ما ذهب إليه أصحابه المجتهدون مثله ونسب الجميع إلى الأستاذ لأنه رأس هذه الطائفة.

[النزعات الفقهيه]

اختلف المجتهدون فى نزعاتهم الاجتهادية ولاختلافهم جهات متعددة. منها جهة المعنى ودلالته والوقوف عند ظاهر النص. وجهة الكلام فيما وقع وفيما لم يقع. وهاتان الناحيتان هما اللتان نعنى بهما النزعات فى هذا المقام.

لم يكن المجتهدون الأولون يتكلمون بعبارات التعليل والقياس وما إلى ذلك وإنما هى عبارات استعملها متأخرو المجتهدين وكان الأولون يذكرون المعانى دون العلل والقياس ولكن المراد لا يختلف.

والمجتهدون جميعا من هذه الناحية كانت لهم نزعات ثلاث: نزعتان لأرباب المعانى ونزعة لأرباب الظاهر.

أرباب المعانى:

الناس بفطرتهم جد مختلفين فيما يتناولون من الأمور وما يسلكون من طرق البحث والاستنباط‍. ففريق منهم لا يبخص الألفاظ‍ ودلالتها ما لها من حق، ولكنه يتغلغل فى معانيها ويسبر أغوارها ويتحرى مراميها.

وفريق آّخر لا يضيع عنده حق المعانى ولكنه يرعى ذلك بقدر ويهاب التغلغل فى التعليل والقياس، ويقف عند ما تدل عليه الألفاظ‍.

هذا هو شأن الناس فى أمورهم، وهكذا كان شأن المجتهدين الفقهاء الذين يرون التعليل والاعتماد على القياس فى تناولهم للأحكام الفقهية واجتهادهم فى استنباطها، كلهم يعطى الألفاظ‍ أتم الرعاية وكلهم يقيس الأشياء بنظائرها، ولكنهم مختلفون فى المعنى الذى ذكرت.

ففريق منهم يسعى الى فهم روح التشريع وتذوق معانيه والغوص على علله وحكمه، وشوطه فى هذه الناحية أبعد من شوط‍ الفريق الآخر الذى يحرص على ما ظهر من

<<  <  ج: ص:  >  >>