للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومسائل الأصول أو أصول المسائل تطلق على معان مختلفة، فتطلق تارة على المسائل التى يكون فيها الاستنباط‍، أما بيان المراد منها فيما هو منطوق به أو بدلالة معناها والقياس عليها، فهى الأحكام التشريعية الواردة بالكتاب والسنة، فهى أصل لما تفرع عنها من طريق الاجتهاد.

وتطلق تارة أخرى على الأحكام الكلية التى تذكر فى كل كتاب أو باب من أبواب الفقه، فهى أصول لما يتفرع عنها من المسائل ومن هذا المعنى كانت تسمية كتب المجتهدين الأولى كتب أصول، كما كان يطلق على كتاب المبسوط‍ لمحمد بن الحسن كتاب الأصل، وكذلك كان يطلق ذلك على نظيره من مؤلفات سواه، كما يظهر ذلك واضحا من الرجوع إلى الفهرست لابن النديم.

وتارة يطلق الأصل على قاعدة عامة لا تختص بباب بعينه وينبنى عليها فى كل باب أحكام تسمى أصولا بالمعنى الثانى، وذلك كقول الكرخى: الأصل أن الإجارة تصح ثم تستند إلى وقت العقد. وكقول الدبوسى: الأصل عند أبى يوسف أنة إذا لم يصح الشئ لم يصح ما فى ضمنه وعند أبى حنيفة يجوز أن يثبت ما فى ضمنه وإن لم يصح.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قسموا هذه المسائل إلى مسائل ظهرت روايتها واشتهرت، ويقابلها المسائل النادرة التى لم تشتهر روايتها، وإلى المسائل القوية وتقابلها المسائل الضعيفة والشاذة، وإلى الراجح والمرجوح، وبينوا ترتيب كل هذه المسائل وما يجب العمل به منها إذا اختلفت.

وقسموا الأحكام الشرعية بالنظر إلى من يضاف إليه الحق الذى تقرره. وقالوا إن من يضاف إليه الحق قد يكون الله وقد يكون العبد. وقالوا إن المراد من حق الله ما يتعلق به النفع العام للعالم فلا يختص به أحد. وإنما كانت نسبته إلى الله للتعظيم فإنه جل شأنه متعال عن أن ينتفع بشئ.

وذلك كحرمة الزنا التى يتعلق بها عموم النفع من سلامة الأنساب وصيانة الفراش وارتفاع السيف بين العشائر بسبب ما يكون من التنازع من أجل الأعراض والتزاحم.

وقالوا أن حق العبد ما تتعلق به مصلحة خاصة دنيوية كحرمة المال للمملوك.

وقالوا إن من الحقوق ما هو خالص لله وما هو خالص للعبد ومنها ما اجتمع فيه الحقان وحق الله غالب، ومنها ما غلب فيه حق العبد وأن الاستقرار قد دل على أنه لا يوجد ما استوفى فيه الحقان. وبينوا الأحكام التى تندرج فى كل قسم من هذه الأقسام.

هذا هو ما يجرى عليه الأكثرون فى هذا التقسيم وهو يقوم على أن الحقوق فى الواقع لمصلحه العباد، ولكن الشاطبى قد تنبه إلى معنى أدق لما يمكن أن يسمى حكم الله وأفاض فى بيانه ثم خلص إلى قوله أن كل حكم شرعى ليس بخال عن حق الله تعالى وهو جهة التعبد، فان حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وعبادته امتثال أوامره واجتناب نواهيه بإطلاق.

وإن جاء ما ظاهره أنه حق للعبد مجردا فليس كذلك بإطلاق بل جاء على تغليب حق العبد فى الأحكام الدنيوية، كما أن كل

<<  <  ج: ص:  >  >>