للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاضطراب والحروب والرحلات والغزوات والقتال على السيادة١، وكان أساس الحياة في هذا الودي يقوم على قبول الهجرة من القبائل القادمة من الجنوب. وقد استمر النظام الحكومي قبل قصي عدة قرون. وكانت الوظائف الاجتماعية موجودة، ولكنها كانت لا تزال في حالة أولية، وبقي على قصي أن يكمل التشريع الذي بدأه عمرو بن لحي وبنوه، ويخلق الوظائف الحكومية ويشيد دار الندوة، ويميز الحمس والدخيل والضيف واللاجئ. ومنذ كانت خزاعة حاكمة في مكة، كانت قريش في بني كنانة متفرقة٢. على أن التنظيم الحكومي في مكة سواء في عهد خزاعة أو في عهد قصي إن هو إلا تنظيم قبلي في جوهره، وإن بدا نظامًا جمهوريًّا من حيث إنه لم يكن الزعيم أو المتنفذ يلقب بالملك، وبالرغم من أن الحكم كان شوريًّا يخضع لرأي الجماعة ورقابتها، فلا ينبغي أن نبالغ مبالغة الأب لامانس Lammens فظن أن مكة كانت جمهورية بالمعنى الكامل للجمهورية٣، فالواقع أنه مع نمو العلاقات التجارية والاقتصادية في مكة فإن مجتمعها كان مجتمعًا قبليًّا، فهو لا يعدو أن يكون اتحاد عشائر ارتبط بعضها ببعض لغرض سدانة الكعبة من جهة، والقيام على تجارة القوافل من جهة أخرى، ولا سلطان لعشيرة على أخرى، بل كانت كل عشيرة تتمتع بالحرية التامة ولا طاعة مفروضة عليها لأحد، وكل ما في الأمر أن اشتراكهم جميعًا في مصلحة واحدة خفف غلواء هذه الحرية، ولكنه تخفيف لم يخرج بقريش عن النظام المعروف في الجاهلية، ووجود مجلس الملأ فيها لا ينقض هذه الحقيقة، فإن عمله لم يكن يعدو عمل مجالس القبائل، ولم يكن رأيه ملزمًا إلا حين توافق عليه العشائر كلها، ومع ذلك فإن العشائر كان يمكنها التخلص منه إذا رأت ذلك؛ فمثلًا بنو زهرة تراجعت ولم تشارك في معركة بدر برغم موافقتها وخروجها ٤. وكذلك بنو عدي لم تخرج إلى القتال برغم الإجماع عليه٥. كذلك كان الفرد يستطيع الخروج على هذه القرارات، ولم تكن هناك عقوبة تفرض على


١ ابن هشام ١/ ١٢٣- ١٢٩. الطبري ٢/ ٣٧- ٢٨ ابن كثير ٢/ ١٨٥- ١٩٠.
٢ ابن هشام ١/ ١٣٠.
٣ انظر: Lammens, La republique Marchande de La Mecque
٤، ٥ ابن هشام ٢/ ٢٨٥. الواقدي: مغازي رسول الله ٣٠/ - ٣١ الطبري ٢/ ١٤٣.

<<  <   >  >>