للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي عهده نمت مكة واتسع عمرانها واستقلت بها بطون قريش، فكان يعشر من دخل مكة سوى أهلها١, كما عمل على تنشيط الحج إليها فاتسعت تجارتها الداخلية مع القبائل العربية الوافدة إليها وبدأت تعظم ثروتها.

وحين أسن قصي عهد بالمناصب كلها إلى ابنه عبد الدار ولم تتحدث المصادر عن نشاط عبد الدار ولا عن أثره في مكة، ولا بد أنه سار على نهج أبيه، ولكن يبدو أنه لم يكن على جانب كبير من المقدرة لا هو ولا أحد من بنيه؛ الأمر الذي جعل بني عمهم عبد مناف ينازعونهم زعامة مكة ويرون أنهم أحق بها منهم لشرفهم وفضلهم٢.

وقد أدى هذا التنازع إلى قيام حلفي المطيبين والأحلاف وكادت الحرب تقع بين بطون قريش -كما أشرنا إلى ذلك من قبل- ثم اقتسمت المناصب؛ فآل لبني عبد مناف الرفادة والسقاية، وهما أهم وظيفتين في مكة لارتباطهما بالحج ووفود الحجاج إلى مكة من قبائل العرب المختلفة. الأمر الذي كانت مكة تعتمد عليه في حياتها الاقتصادية. وقد وكل أمر هاتين الوظيفتين إلى هاشم بن عبد مناف الذي يبدو أنه كان واسع الثروة جم النشاط٣؛ فقد نالت مكة على يديه هو وإخوته تقدمًا كبيرًا، وبعد أن كانت تجارتها مقصورة على التجارة الداخلية مرتبطة بالحرم٤؛ فتح لها هاشم وإخوته مجال التجارة الخارجية؛ فقد رحلوا إلى الشام وإلى اليمن وإلى الحبشة وإلى العراق، وقاموا باتصالات قوية مع حكام هذه المناطق أدت إلى عقد معاهدات تجارية، فقد أخذ من الروم عهدًا بالسماح لتجار قريش أن يدخلوا الشام وبلاد الدولة الرومية في سلام، وكذلك أخذ إخوته المطلب وعبد شمس ونوفل عهودًا مماثلة من الأكاسرة والنجاشي والحميريين. وبذلك بدأت قريش تسيطر شيئًا فشيئًا على التبادل التجاري بين الشمال والجنوب. وقد قام هاشم بتنظيم رحلات القوافل إلى الجنوب شتاء وإلى الشمال صيفًا. وقد عرف هذا النظام برحلتي الشتاء والصيف٥, وإلى هاتين الرحلتين وأثرهما يشير القرآن الكريم: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ


١ ابن سعد ١/ ٥٠.
٢ ابن هشام ١/ ٢١١.
٣ ابن هشام ١/ ١٤٦-١٤٧. اليعقوبي ١/ ٢٠١- ٢٠٢.
٤ اليعقوبي ١/ ٢٠١.
٥ ابن هشام ١/ ١٣٧.
١١٨

<<  <   >  >>