للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محطة تمر بها القوافل ويجد معبدها الاحترام وبخاصة من ملوك التبايعة، حيث تذكر الروايات أن التبع تبان أسعد أبا كرب الحميري كان أول من كسا البيت الحرام وعظمه وأوصى بتعظيمه وكسوته١. وقد كانت القبائل الجنوبية هي أول مَن سكن مكة، وكان لقبيلة خزاعة، التي هي فرع من الأزد دور في عمارة مكة، وتنشيط الحج إلى بيتها الحرام.

وفي عهد قريش اتصل أحد رجال مكة وهو المطلب بن عبد مناف بأقيال اليمن الحميريين وعقد معهم اتفاقًا على أن تقوم قريش بالمتاجرة في أرضهم، وقد اتصلت تجارة قريش باليمن منذ ذلك الوقت -حوالي بداية القرن السادس- وسيطرت قوافلها التجارية تمامًا على نقل هذه التجارة. وقد تضاءل شأن تجار اليمن واكتفوا بالتجارة مع قريش، وكان قصاراهم أن يبيعوا بضائعهم لتجار مكة إذا قدموا إلى الشمال.

وكما حظيت مكة وبيتها الحرام بنفوذ كبير بين عرب الشمال، كذلك أصبح لها مكانة عظيمة في نفوس عرب الجنوب الذين فقدوا استقلالهم، وتطلعوا بدافع القومية إلى هذا البلد العربي المستقل، حتى لقد غضبوا حين جهز أبرهة حاكم اليمن الحبشي حملة لغزو مكة. وتصدت له بعض القبائل اليمنية وقاتلته، وقد قامت علاقات صداقة ومودة بين زعماء مكة ورجالات اليمن؛ فتحدثنا الروايات عن صداقات عبد الملطب بن هاشم وبعض أقيال اليمن ووفاداته عليهم٢. وقد قدم وفد مكة لتهنئة سيف بن ذي يزن بعد انتصاره على الأحباش. وربما كان قدوم هذا الوفد تعبيرًا عن الابتهاج بهزيمة الحبشة التي كانت قد غزت مكة من قبل، ولكنه كان على كل حال تعبيرًا عن الغبطة بانتصار رجل عربي على أعدائه، ودليلًا على حسن الصلة والمودة. وقد أكرم سيف الوفد وحباه، وحظي عبد المطلب زعيمه بعظيم عطفه وكرمه٣.

أما علاقة مكة بالحبشة فإنها بدأت منذ خرجت مكة بتجارتها إلى المجال الخارجي، فإنه في الوقت الذي اتصل فيه المطلب بن عبد مناف بأقيال اليمن، اتصل


١ ابن هشام ١/ ١٩- ٢١.
٢ ابن كثير ١٧١- ١٧٢ "كان عبد المطلب صديقًا لذي نفر الحميري، وهو الذي تصدى لحملة أبرهة عند خروجها متجهة إلى مكة وقاتلها، ولكنه هزم، وكان ذو نفر من أشراف أهل اليمن وملوكهم".
٣ ابن كثير ٢/ ٣٢٩.

<<  <   >  >>