للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يمكن أن تكون قد جاءت بغير ذلك؛ إلا أن هذه الفكرة ما لبثت أن تغيرت وشابتها كثير من الشوائب غيرت من صفائها ووضوحها. بما أدخل على ديانات الرسل ودعواتهم من شوائب الوثنية التي كانت تقوم إلى جوارها، والتي كثيرًا ما كانت القوة المادية والسياسية إلى جانبها.

فقد كان اليهود دعاة توحيد، لكن هذا التوحيد اليهودي لم يكن توحيدًا مطلقًا فالله عند اليهود هو إله إسرائيل اختارهم لنفسه واختاروه لأنفسهم دون الآلهة الأخرى، فربطوا بذلك ديانة موسى بجنسهم، وهم حين عبدوا إلهًا واحدًا اعترفوا للأمم الأخرى بآلهتها١. وهذا ما لا يقره الإسلام إطلاقًا؛ فالوحدانية الإسلامية وحدانية كاملة مطلقة ليس للوجود جميعًا غير رب واحد، وكل ما يلقي ظلًّا على هذه الناحية غير معترف به من الإسلام.

أما المسيحية فإنها تنادي بالتثليث، أي أنها تجعل الإله الواحد ثلاثة أقانيم متساوية في وحدة هي الآب والابن والروح القدس، وهي تؤله المسيح نفسه ٢. والإسلام لا يقر إلا وحدانية مطلقة، وذات الله لا تتعدد ولا تنفصل ولا تشبه الخلق، ولا يشاركه في ملكه أحد ولا يساويه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص] . وقد توصل بعض الفلاسفة إلى فكرة الوحدانية، ولكن هذه الفكرة لم تكن واضحة التحديد، ثم إنها لم تجد اعترافًا من العقل الإنساني العام، ومن ثم بقيت فكرة فلسفية وعاش الناس من حولها يحيون حياتهم الدينية الوثنية. والديانات القديمة نادى بعضها بالوحدانية كديانة أخناتون في مصر، ولكن وحدانية أخناتون كانت مشوبة بالوثنية مصورة بمظاهر الطبيعة ٣.

ولذلك يمكن القول بأن الوحدانية كما جاء بها الإسلام كانت جديدة كل الجدة على العرب، وهي بمفهومها الإسلامي جديدة كذلك على العالم، ولأول مرة في حياة البشرية تقوم هذه الفكرة وتستقر وتصبح عقيدة عامة ثابتة.


١ انظر سورة البقرة ٦٣، ٦٦، ٧٥، ٩٢- ٩٣، ١٠١- ١٠٢, ١١٤- ١٧٦، الأعراف ١٦١- ١٧٧، المائدة ١٣- ١٨، ٤١، ٦٨-٧٠، ٧٧، آل عمران ٢٣، ٢٤، ١٨٧، النساء ٤٤-٤٦، الجمعة ٥-١٨.
٢ انظر سورة التوبة ٣٠-٣١، النساء ١٧١، المائدة ١٧, ٧٢، ٧٣، ٧٧، ١١٦، يونس ٦٨، مريم ٣٥، ٨٨، الأنبياء ٢٦، المؤمنون ٩١.
٣ أحمد بدوي، في موكب الشمس ٢/ ٥٦٨- ٥٩٦.

<<  <   >  >>