للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال عمرو: لا أقيم ببلد لطم وجهي فيه أصغر ولدي، وعرض أمواله، فقال أشراف من أشراف اليمن: اغتنموا غضبة عمرو. فاشتروا منه أمواله، وانتقل في ولده، وولد ولده، وقالت الأزد: لا نتخلف عن عمرو بن عامر، فباعوا أموالهم وخرجوا معه، فساروا حتى نزلوا بلاد علك مجتازين يرتادون البلدان؛ فحاربتهم عك؛ فكانت حربهم سجالًا، ثم ارتحلوا عنهم، فتفرقوا في البلدان؛ فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام، ونزلت الأوس والخزرج يثرب، ونزلت خزاعة مرًّا ... ثم أرسل الله تعالى على السد سيل العرم فهدمه١.

ويتضح من قول ابن هشام أن نزوح الأوس والخزرج إلى جهات يثرب كان قبل سيل العرم؛ بينما يرى صاحب الأغاني أن خروج الأزد كان بعد سيل العرم. غير أن هذه الروايات لا تحدد متى كان تهدم السد، ولا تحدد الزمن الذي هاجرت فيه قبائل الأزد، على أن رواية ابن هشام لا يمكن الأخذ بها،؛ إذ إن ارتحال قبائل من مواطنها توقعًا لحادث لم يقع يعد أمرًا يصعب تصديقه. ثم إن السد تصدع وأصلح عدة مرات كما أثبتت النقوش التي عثر العلماء عليها٢.

ونحن إذا أخذنا نسب أحد الخزرج المعروفين عند الهجرة وهو سعد بن عبادة الخزرجي، وجعلناه مقياسًا للزمن الذي ربما تكون هاجرت فيه الأوس والخزرج إلى جهات يثرب، وجدنا أنها من المحتمل أن تكون هاجرت منذ حوالي أواخر القرن الرابع الميلادي؛ فنسب سعد كما يذكره النسابون هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج الأصغر بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأكبر بن حارثة؛ فمن سعد إلى الخزرج الأكبر أحد عشر جيلًا، إذا افترضنا أن الفرق بين كل جيلين خمسة وعشرون عامًا كانت المدة ما بين الهجرة وسنة ٦٢٢م وبين الخزرج الأكبر حوالي مائتين وخمسين وسبعين سنة. أي أن هجرة الأوس والخرزج من المحتمل أن تكون حدثت في أواخر القرن الرابع الميلادي٣. وكان سببها لا يرجع


١ ابن هشام ١/ ٩.
٢ يقول سديو ص٣٦: إن أول تصدع للسد كان سنة ١٢٠م ويقول نقش عثر عليه: إن شرحبيل بن أبي كرب أسعد الحميري أصلح السد سنة ٤٥٠-٤٥١م. ويقول نقش آخر: إن أبرهة أصلحه سنة "٤٥٠- ٤٥١" ويقول نقش آخر: إن أبرهة أصلحه سنة ٥٤٢م. "جواد علي ٣/ ١٥٦، ٣/ ١٩٧-٢٠٠" وقرر العالم جلاسر أن السيل حدث من سنة ٤٤٧-٤٥٠. عن ولفنسون ص ٥٣.
٣ يحدد سديو هجرة الأوس والخزرج إلى المدينة سنة ٣٠٠م واستيلاءهم سنة ٤٩٢م.

<<  <   >  >>