للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الحصون والآطام يجتمعون بها ويتخذونها مخازن لحفظ حاصلاتهم، وكانت الآطام هي عزهم ومنعهم وحصونهم التي يتحرزون فيها من عدوهم١. وكان أهل المدينة أهل قوة وجلد وبصر بالحرب، تمرسوا عليها فيما وقع بينهم من صراع وأيام، وفيما حدث بينهم وبين جيرانهم من احتكاك، كما كانوا أهل عدة ونجدة وسلاح، وقد عرفت لهم العرب أن مدينتهم دار منعة وهم قوم أهل حلقة وبأس٢، وقد اعتدوا بأنفسهم حتى لا يبالون بعداوة من عاداهم، يشهد بذلك إقدامهم على مخالفة النبي -صلى الله عليه وسلم- بدعوته للخروج إلى بلدهم، في الوقت الذي خشيت فيه كل قبائل العرب الإقدام على هذا الموقف إشفاقًا من عداوة قريش وما يترتب عليها، وقد بصرهم العباس بن عبد المطلب عند بيعة العقبة الكبرى بما يترتب على عملهم هذا من خطورة معاداة قبيلة تحالفها كل قبائل العرب وترتبط معها بمصالح قوية قال: فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر واستقلال بعداوة العرب ترميكم عن قوس واحدة فارتأوا رأيكم وأتمروا أمركم ولا تفترقوا إلا عن ملأ منكم واجتماع٣. وكان ردهم بعد هذا التبصير أن قال قائلهم: يا رسول الله، بايعنا فنحن أهل الحلقة ورثناها كابرًا عن كابر٤.

ولقد كانت يثرب تملك من القوة الحربية ما تستطيع به فعلًا أن تحمي نفسها وأن ترد عادية القبائل عنها، وليس لدينا إحصاء عن عدد رجال الأوس والخزرج، ولكنا نستطيع تحديد قوتهم الحربية من المعارك التي خاضوها بعد الهجرة، فقد بلغ عدد محاربيهم في يوم فتح مكة -وهو الوقت الذي كان أهل المدينة منهم قد دخلوا فيه كلهم في الإسلام- أربعة آلاف مقاتل٥. أما عدد اليهود قد بلغ عد الرجال البالغين من قبائلهم الثلاث حوالي الألفين؛ هذا بالإضافة إلى أعداد البطون الصغيرة من اليهود، فكأن يثرب كانت تستطيع أن توجه إلى ميدان القتال عند الضرورة ستة آلاف محارب، وإن كان هذا العدد لم يتحقق في معركة من معاركها، وذلك للصراع الداخلي بين


١ الأغاني ١٣/ ١١٨ طبعة مصر.
٢ ابن سعد ١/ ٢١٠- ٢١٢.
٣ نفسه ١/ ٢٠٦.
٤ نفسه ١/ ٢٠٦.
٥ إمتاع ١/ ٣٦٤.

<<  <   >  >>