للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذن فقد كان تقدير النبي -صلى الله عليه وسلم- صادقًا وكانت شكوكه في محلها، أن المدينة مهددة بالحرب الأهلية يثيرها اليهود والمنافقون ومن ينضم إليهم من الأعراب القريبين، وإذن فهو الخطر الداهم الذي لو سكت عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- لكان في ذلك القضاء على دولته، فقد أصبح الأعداء يحيطون بها في الداخل والخارج، ولكي يتغلب على هذا الموقف فلا بد من العمل السريع الحاسم، ولا بد من شجاعة وشدة يتذرع بها المسلمون، فقد أخذت اليهود في التجهز للحرب، فرمت حصونها ونقلت إليها الحجارة وشحنتها بالمؤن والذخيرة، واطمأنت إلى قوتها وإلى القوة الخارجية التي يعدها عبد الله بن أبي.

وأسرع النبي -صلى الله عليه وسلم- فحاصرهم، واشتبك معهم في القتال عشرين يومًا أظهر فيها اليهود كثيرًا من البسالة، واستماتوا في الدفاع عن حصونهم ودورهم، ولم ينسحبوا من دار إلا بعد أن ييأسوا من الدفاع عنها فيخربوها. وطال حصار الحصون حتى ظن المسلمون استحالة إخراجهم منها، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقطع نخيلهم وتحريقها حتى ييئسهم من فائدة المقاومة أو يضطرهم للخروج لقتال المسلمين في معركة مكشوفة.

أما عبد الله بن أبي ومن معه، فقد استطاع النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحول بينهم وبين الاتصال باليهود، فقد أحكم الحصار، فلم يجرؤ عبد الله على التقدم لتنفيذ وعده لليهود، وأذهلته وأصحابه القوة التي واجه بها المسلمون الموقف، وملأ الرعب نفوسهم حينما رأوا النبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذ اليهود بالشدة فيحرق بيوتهم ويقطع نخيلهم وينكل بهم؛ لذلك جبنوا عن أن يتقدموا للمشاركة في القتال، بعد أن حيل بينهم وبين الوصول إلى حصون اليهود، ويئس اليهود من عونهم، فطلبوا مصالحة النبي -صلى الله عليه وسلم- فصالحهم على الخروج، لكل ثلاثة منهم بعير يحملون عليه ما شاءوا من مال وطعام وشراب ليس لهم غيره.

وارتحل اليهود فمنهم من نزل بخيبر ومنهم من ارتحل إلى الشام وتركوا للمسلمين وراءهم مغانم كثيرة من غلال وسلاح، ولكن الأرض التي تركوها كانت أفضل ما غنم المسلمون وأنفع، فقد جعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- للمهاجرين دون الأنصار الذين لم يجدوا في صدورهم حرجًا وآثروا بها المهاجرين، وبذلك استغنى المهاجرون عن معونة الأنصار فتحسنت الحالة الاقتصادية عند الطرفين.

أما المنافقون، فقد ضعف أمرهم بعد أن انكشف أمرهم ودمغوا بالجبن والعار، ولم يعاقبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكنه لم يعد يفكر في أمرهم كثيرًا. وفي شأن بني النضير وتآمر المنافقين معهم نزلت سورة كاملة من سور القرآن هي سورة الحشر.

<<  <   >  >>