للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خبرهم، فيفجئوا العدو بالإغارة على غرة منه، ونفذ رجال السرية هذه التعليمات وباغتوا الأعداء على حين غفلة فأوقعوا بهم هزيمة سريعة ألجأتهم إلى الفرار فطاردوهم وظفروا بما معهم غنيمة للمسلمين١.

وكذلك اتصل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك أن خالد بن سفيان بن نبيح اللحياني الهذلي، زعيم لحيان من هذيل مقيم بنخلة أو بعرنة -من أرض هذيل- وأنه يجمع الجموع ليغزوه. فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه أحد رجاله -عبد الله بن أنيس- ممن اشتهروا بالفطنة والشجاعة، وبعثه يتجسس حتى يقف على جلية الخبر، وسار عبد الله حتى التقى بخالد، واستطاع أن يوهمه بأنه سمع تجمعه لمحمد، فجاء ينضم إليه. فلما تأكد من صحة ما علم المسلمون غافله حتى إذا وجد منهم غرة قتله. وعاد إلى المدينة فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وهدأت بنو لحيان بعد موت زعيمها زمنًا، عادت بعده تفكر في الثأر عن طريق الحيلة والغدر.

ثم دبروا أمر الثأر عن طريق رهط من عَضْل والقارة من بني الهون ابن خزيمة، وهي قبيلة تجاور بني لحيان، قدموا على النبي -صلى الله عليه وسلم- يقولون له: إن فينا إسلامًا فابعث معنا نفرًا من أصحابك يعلموننا شرائعه ويقرئوننا القرآن. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبعث من أصحابه كلما دعى إلى ذلك ليؤدوا هذه المهمة الدينية السامية، وليكونوا دعاة له، وفي الوقت نفسه يكونون عيونًا للدولة على خصومها؛ لذلك بعث ستة من كبار أصحابه خرجوا مع الرهط، حتى إذا بلغوا ماء لهذيل بناحية تُدعى الرجيع، غدروا بهم، واستصرخوا هذيلًا عليهم، ولم يرع هؤلاء الرجال الستة وهم في رحالهم إلا الرجال وبأيديهم السيوف قد غشوهم، ودافع المسلمون عن أنفسهم حتى قتل منهم ثلاثة واستأسر الثلاثة الآخرون. فأما أحدهم فتخلص من قيده ودافع عن نفسه حتى قتل. وأما الآخران فقد باعتهما هذيل إلى قريش غدرًا، وثأرًا بمن قتل من رجالها يوم بدر٢.

ولم يكن حزن المسلمين قد خفَّ على من قتل من أصحابهم يوم الرجيع ولم تكن أشعار حسان بن ثابت يرسلها في رثاء هؤلاء الرجال قد خفتت أنغامها الحزينة- حين فوجئ المسلمون بحادث هو أنكى عليهم من غدر هذيل، وأشد ألَمًا للمسلمين وإثارة لعواطفهم، ذلك هو غدر بني عامر بوفد آخر من المسلمين بلغت عدته أربعين رجلًا، وقتلهم في بئر معونة، وهي مكان على طرف حرة بني سليم بينهم وبين بلاد بني عامر.


١ الواقدي ٢٦٤- ٢٦٨.
٢ ابن هشام ٣/ ١٦٠- ١٨٣. ابن سعد ٣/ ٩٦- ٩٨.

<<  <   >  >>