للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبا سفيان بن حرب قائدهم وحكيمهم إلى المدينة ليثبت العقد وليزيد في المدة، ولعل المدة كانت سنتين، فكانوا يريدونها عشرًا، ولقي أبو سفيان بديل بن ورقاء في الطريق، وبالرغم من أن بديلًا أنكر أنه لقي محمدًا؛ فإن أبا سفيان عرف أنه كان بالمدينة، ومن أجل ذلك آثر ألا يكون محمد أول من يلقى، فجعل وجهته بيت ابنته أم حبيبة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم.

ولم تستقبله ابنته استقبالًا حسنًا، ولما لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- وكلمه في العقد وإطالة مدته لم يرد النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه، ورفض كبار الصحابة من المهاجرين: أبو بكر وعمر وعلي أن يساعدوه، بل لقد أغلظ له عمر الجواب وقال: "أنا أشفع لكم إلى رسول الله!! فو الله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به".

فانصرف محنقًا يفيض أسى مما لقي من هوان، وعاد إلى مكة يحمل لقومه نتيجة سفارته الفاشلة١، وقد أدرك أن الموقف تحول نهائيًّا إلى غير صالح مكة، وأخذ رجال مكة يتناقشون في موقف أصبح ميئوسًا منه.

أما النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم ير أن يترك لهم فرصة حتى يتجهزوا للقائه؛ لذلك أمر فنادى بالتجهز فاحتشد له جيش قوي لم تشهد الجزيرة مثله من قبل عدة ونظامًا، فلقد بلغت عدته أكثر من عشرة آلاف، وبلغت قوة الفرسان فيه أكثر من ألفين٢، وإذا كان جيش الأحزاب في موقعة الخندق قد بلغ مثل هذا العدد أو نحوه فإنه كان مفكك القيادة متنازع الأهواء، أما هذا الجيش فكان تحت قيادة موحدة حازمة، وكان هدفه واضحًا محددًا، ولم تكن القبائل التي اشتركت فيه مدفوعة بالكسب المادي مأجورة كما كانت حال غطفان في يوم الخندق. ولما اكتملت عدة الجيش أعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سائر إلى مكة، وأمرهم بالجد، ودعا الله أن يأخذ العيون والأخبار عن قريش حتى لا تقف عن سيرهم على نبأ٣.

وتحرك الجيش الكبير في عدته التي لم تشهدها الجزيرة من قبل عدة وسلاحًا ونظامًا وحسن طاعة، يملأ نفوس رجاله الإيمان بأن لا غالب لهم من دون الله، وسار محمد على رأس هذا الجيش وكل تفكيره أن يدخل البلد الحرام من غير أن يريق قطرة


١ ابن هشام ٣/ ١٢- ١٤. ابن كثير ٤/ ٢٨٠، ٢٨١.
٢ إمتاع ١٧/ ٣٦٤، ٣٧٣.
٣ ابن هشام ٤/ ١٤.

<<  <   >  >>